بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان خطبة الجمعة الموافق 21-02-2025م .
( قيام الليل وأذكار الصباح والمساء )
…………………………………
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله : اعلموا أن من أعظم القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى هي قيام الليل، يقول الله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة:16-17، وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ﷺ، فقال: “يا محمد عش ما شئت، فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزي به، ثم قال يا محمد: شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس.” رواه الحاكم في المستدرك، وقال ﷺ: ” أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن”رواه أبو داود.
واعلموا عباد الله أن الله سبحانه وتعالى أوصى المسلمين بالأذكار في الصباح والمساء، لحمايتهم وتحصينهم ونفعهم، وفي سنن النبي ﷺ ما يقارب ثلاثين ذكراً جاءت بفضائل لا يمكن للمسلم الاستغناء عنها شكراً لله تعالى على نعمه التي لا تعدُّ ولا تُحصى.
وأولها: أن يقرأ المسلم قوله تعالى : ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ سورة الروم .19:17.
وثانيها: قراءة سورة الاخلاص والمعوذتين صباحاً ومساءً فمن قالها حين يصبح وحين يمسي كفتاه من كل شيء.
وثالثها: قراءة آية الكرسي وأول ثلاث آيات من سورة غافر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (من قرأ (حم المؤمن) إلى: [إِلَيْهِ المَصِيرُ] وآية الكرسي حين يصبح حُفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حُفظ بهما حتى يصبح) أخرجه الترمذي. و(حم المؤمن): هي سورة غافر.
رابعها: قراءة خواتيم سورة الحشر، قال ﷺ: من قال حين يصبح ثلاث مرَّات: (أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، ثم قرأ ثلاث آيات من آخِر سورة الحشر، وكَّل الله به سبعين ألف ملَك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في هذا اليوم، مات شهيدًا، وإن قالها حين يمسي، كان بتلك المنزلة) رواه الترمذي. فهنيئاً لمن واظب عليها لأنه إن مات نال رتبة الشهداء عند الله وأي كرامة أعظم من ذلك.
وخامسها: أن ندعو بهذا الدعاء : ( حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم). عن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال : من قال إذا أصبح وإذا أمسَى : ﴿حسبِيَ اللهُ لا إلهَ إلا هو عليه توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ﴾ سورة التوبة:129. سبعَ مراتٍ كفاه اللهُ ما أهمَّه صادقاً كان بها أو كاذباً) رواه أبو داود
ومن السنة النبوية الشريفة سبعة:
أولها: سيِّدُ الاستغفارِ وهو أن يقولَ العبدُ: ( اللَّهُمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ خلَقتَني وأَنا عبدُكَ وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطَعتُ أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذَنبي فاغفِر لي فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ من قالَها حينَ يصبحُ موقنًا بِها فماتَ من يومه دخلَ الجنَّةَ ومن قالَها حينَ يمسي موقنًا بِها فَماتَ من ليلتِهِ دخلَ الجنَّةَ) أخرجه البخاري.
ثانيها: منْ قال حِينَ يُصبِحُ و حِينَ يُمسِي: (سُبحانَ اللهِ العظيمِ و بِحمدِهِ، مِائةَ مَرَّةٍ ، لمْ يأتِ أحدٌ يومَ القِيامةِ بأفْضلَ مِمَّا جاء به ، إلَّا أحَدٌ قال مِثلَ ذلِكَ ، و زادَ عليْهِ) أخرجه مسلم.
ثالثها: مَن قال: (بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ . ثلاثُ مراتٍ ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ ، ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي) أخرجه أبو داود.
رابعها: من قالَ حين يصبحُ: ( أعوذُ بكلماتِ الله التاماتِ من شرِّ ما خلقَ ثلاثَ مراتٍ لم تضرهُ عقربٌ حتى يمسِي ، ومن قالها حينَ يمسي لم تضرُّه حتى يصبحَ) أخرجه البخاري
وخامسها: أن تقول: ( رَضيتُ باللَّهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبِمُحمَّدٍ رسولًا، وجَبت لَهُ الجنَّةُ) أخرجه أبو داود
سادسها: ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول اللّه ﷺ قال: (من قال إذا أصبح: اللهم إني أصبحت منك في نعمة، وعافية، وستر، فأتِمَّ نعمتَك عليَّ، وعافيتك، وستْرَك في الدنيا والآخرة. (ثلاث مرات) إذا أصبح وإذا أمسى، كان حقّاً على اللّه أن يُتمَّ عليه)رواه ابن السني.
وسابعها: الصلاة على سيدنا رسول الله ﷺ: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيام) رواه الطبراني.
وليكن للمسلم ورد يومي يحافظ فيه على أذكار الصباح والمساء، فالمواظبة على هذه الأذكار تعزز فينا الروح الإيمانية في حياتنا اليومية، وتشعرنا بالطمأنينة والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وتوفر لنا ولأهلنا الحماية النفسية والبدنية. وتنمي في ذات الإنسان الصلة المباشرة مع الله عز وجل في كل أوقاته وأحواله.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
واعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56. عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: “أنّ من واظبَ عليها يكفي همه ويُغفر ذنبه”. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ رسول الله ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”. وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات إلى النور. يقول الله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية43. وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ والاقتداء بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له. ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه. ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ” متفق عليه، وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين. واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السماوات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله. وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول “حسبنا الله ونعم الوكيل”، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران:173-174.
سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله ، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد ، إنه قريب مجيب .
يقول الله سبحانه : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل: 90. ويقول الله عز وجل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ العنكبوت: 45 .
وأقيموا الصلاة .