هلا نيوز – سليم عزوز
انطلقت قناة “القاهرة الإخبارية”، بعد مرحلة قصيرة من التبشير بها، ويبدو أنهم استعانوا بأستوديوهات قناة إخبارية أخرى، تتبع شبكة “دي إم سي”، الممولة إماراتياً، فبعد سنتين من التحضير والتجهيز، تم إعلان وفاة المشروع، الذي تم تأسيسه على أحدث طراز!
وكما هو متوقع فقد تمخض الجبل فولد فأراً ميتاً، وفي اليوم التالي للبث وقفت بنفسي على أن القوم وقعوا في خطأ مهني جسيم؛ فبدلاً من التركيز في “«الجزيرة» الأم” موضوع المنافسة ركزوا على “«الجزيرة» مباشر” فعملوا على منافستها، ولهذا فقد اعتبروا انعقاد القمة العربية في الجزائر حدثاً مهماً، فكان النقل المباشر لوقائعها ولكلمات القادة العرب، ولا أعرف ماذا في القمة يجذب قناة وليدة في يومها الثاني للبث، ولأيام؟ إلا أن «الجزيرة» مباشر فعلت، وعندما توقف البث من القمة ذات نقل، ذهبت للجزيرة مباشر، فوجدتها انتقلت لمؤتمر للرئيس الأمريكي، فعرفت من أين جاء الاهتمام، ومن يقلد القوم!
لا توضع الشاشات في الأستوديوهات من باب الوجاهة الاجتماعية، وعلى طريقة الريفي القديم، في بداية اختراع التلفزيون، عندما كان يضع شاشته أمام المنزل، ليشاهده المارة، ويقروا بمكانته. فالشاشات توضع لنقل القنوات الأخرى، لكن شاشات استوديوهات “القاهرة الإخبارية” جميعها تنقل بث القناة، لنكون أمام “فرح العمدة”، على نحو يربك المشاهد، عندما يجد صورة المذيع مكررة في الشاشات خلفه، ومن هنا يمكن فهم خطأ المنافسة، فلم تكن «الجزيرة» ضمن الشاشات، وربما أوكلوا بمهمة متابعتها لأحدهم، وبدلاً من استحضار «الجزيرة» الأم، أحضر الابنة، ومن هنا جاء الاهتمام المبالغ فيه بوقائع القمة، وكل الكلمات رتيبة، إلا كلمة الرئيس التونسي، التي فيها من الاثارة ما عوض غياب الأخ العقيد معمر القذافي عن القمة العربية، فقد كان حاضراً بروحه، وقد تجسدت في جسد قيس سعيد، ومن يؤمن بنظرية تناسخ الأرواح سيجد مثالاً واقعياً على صحة هذا الاعتقاد!
من يمول القناة الجديدة؟
ليس سراً أن «الجزيرة» هي الحاضر الغائب في تجربة “القاهرة الإخبارية”، تماماً كما كانت وراء تجربة قناة “النيل للأخبار”، والتي تُعرف بأنها “قناة مصر الإخبارية”، وقررها وزير الإعلام صفوت الشريف، عندما رأى دهشة مبارك في زيارته لمقر «الجزيرة» في الدوحة، ووصف مبناها بعلبة الكبريت، وكان كلامه موجهاً لوزيره الجالس في ناطحة سحاب هي “مبنى ماسبيرو”، وكانت البداية واعدة، وكتبت هذا في هذه الزاوية، وكان النجاح لأنها تحت الاشراف المباشر لإعلامي محترف هو حسن حامد، ثم انتهت التجربة سريعاً.
وقد حاول الإقليم منافسة «الجزيرة»، فكانت “العربية” و”الإخبارية”، وبدأت تجارب هذا الإقليم في القاهرة منذ تجربة “الحياة”، مروراً بتجارب “سي بي سي” وغيرها، وانتهاء بـ “القاهرة الإخبارية”، وقد قرأت إنها سعودية التمويل، ولم أسلم بما قرأت، وليست هناك شواهد تؤكد ذلك، ونخشى أن يكون ما كتب هو مخطط لصرف الأنظار عن الممول الحقيقي، وأمامنا تجربة “اليوم السابع”، الجريدة والموقع، التي أثيرت حولها في البداية، ضجة كبرى لأن ممولها رجل الأعمال الهارب في لندن ممدوح إسماعيل، صاحب العبارة الشهيرة، التي كان الإهمال بها سبباً في إغراق مصريين في عرض البحر، وتحملت إدارة الصحيفة الدعاية السلبية ولم تنفها، لأنها كانت تغطي على المالك الحقيقي لها وهو نجل الرجل القوي في حكم مبارك صفوت الشريف، قبل أن تؤول ملكيتها للشركة المتحدة بعد الانقلاب وهي المالكة لـ “القاهرة الإخبارية”!
ولأن «الجزيرة» كانت حاضرة في أذهان أصحاب المشروع، ولأن جمال ريان، هو من بدأ بث قناة «الجزيرة»، بصوته المدفعي، فان مذيع “القاهرة الإخبارية”، تقمص شخصيته وقلده صوتاً وحاول تقليده أداء، فكان تساؤل حافظ المرازي: “لماذا يقفز هكذا”؟ ولم يعرف أن القفز مرده إلى أنه لم يكن هو، ولكن كان يريد أن يكون جمال ريان، وربما يعتقد أن نجاح “«الجزيرة»” في أن بركة مذيعها حلت بها، فلماذا لم يحصل القوم من «الجزيرة» على جمال ليقوم بطلعة الافتتاح، رحمة بالمشاهدين الذين كانوا يقفزون مع المذيع كلما قفز، وكأنه أصيب بـ “الزغطة” نتيجة تقلصات في الحجاب الحاجز، ودواء لو تم تقديم كوب من الماء له رحمة به، لكن تكرر ظهوره بهذا الحالة، لأنه يقلد، وهو في تقليده بدا كما لو كان عفريت جمال ريان تلبسه!
وكأنه يكفي للنجاح أن تكون طلعة البداية بطريقة «الجزيرة»، وكم سيكون مثيراً لو كل قناة إخبارية قررت منافسة القناة القطرية، تعاقدت مع مذيعها على هذه “الطلعة”؟! لكن هل القدرة على المنافسة تكون بتقليد الأصوات، والتشابه في حركة الأجساد، حتى القفز المتكرر؟! لا بأس، هذا جمال ريان الخالق الناطق، فأين هي «الجزيرة»؟!
شبكة المراسلين
إن “القاهرة الإخبارية” هي، كما وعد الجنرال، بأحدث التقنيات الحديثة، وتملك أحدث الاستوديوهات، ومن الواضح أن لديها شبكة كبيرة من المراسلين وفي كل مكان، ولكن هل بذلك يمكنها المنافسة، أو أن تكون قناة إخبارية، يشار اليها بالبنان بمعزل عن فكرة منافسة «الجزيرة»؟! صحيح أن «الجزيرة» لديها شبكة مراسلين مهمة، لكن نجاحها كان لحسن الاختيار، وتفوق المراسل كان يصنعه الحدث وسقف الحرية في القناة القطرية، وعرفنا حافظ المرازي من نقله لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وعرفناه في جدارته بتقديم برنامج “من واشنطن”، وعرفنا “تيسير علوني” من نقله لأحداث التربص الأمريكي بأفغانستان، وعرفنا مراسلي فلسطين من النجاح في هذه “الخلطة” بين الموضوعية والتعبير، واحساس المشاهد إنهم يعبرون عنه في قضيته المركزية، ومع ذلك ينقلون الحقيقة.
ولم تكن «الجزيرة» مجرد شبكة مراسلين، أو استوديوهات عملاقة، فقد سمع بها القاصي والداني، بينما هي “علبة كبريت”، واستوديو فقير، بمنضدة، وكرسي أو كرسيين أو ثلاث (حسب طبيعة البرنامج)، ونجحت بتنوع الأجيال جميل عازر وسامي حداد وفيصل القاسم، وإذا كان لكل مقدم برنامج حدوده وحساباته وأفكاره، فان التنوع جعل أنه لا حدود، ولا حسابات، ولا أفكار محجوبة، نجحت بـ “الشريعة والحياة”، ولم يكن مقدمه واحداً من آحاد رجل الدين، فقد كان الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله.
وبجانب نقل الخبر، ومعالجته بضيوف في التو واللحظة، فقد نجحت بالوثائقي “نقطة ساخنة”، و”سري للغاية”، وبرصانة “أكثر من رأي”، وبإثارة “الاتجاه المعاكس”! ونجحت بسقف الحرية المرتفع، وتحمل القيادة السياسية فاتورة هذا!
فكان خلف هذا أمير البلاد، يحمي ويتحمل، دون أن يكون اسمه أو صورته خبراً في أول نشرة الأخبار، في حين أن الدعاية لقناة “القاهرة الإخبارية” في الصحف، وإذ نشرت صور المذيعين على طريقة “أوائل الثانوية العامة”؛ صغيرة لا ترى بالعين المجردة، فقد نشرت صورة السيسي بطول الإعلان، وكأنه كبير المذيعين؟!
فما هو الجديد الذي لا يجده المشاهد المصري في القناة التي تنطلق من العاصمة المصرية حاملة اسمها ولا يجده في القنوات المصرية الأخرى، إذا كان نشاط السيسي هو خبرها الأول، وهو أمر قائم في القنوات جميعها، فماذا يميز “القاهرة الإخبارية”، عن “النيل للأخبار”، أو “اكسترا نيوز”، أو القنوات الرسمية وشبه الرسمية الأخرى؟!
إن “القاهرة الإخبارية”، هي صفر مضاف إلى جانب أصفار، وهي تبديد للمال في ما لا يفيد، ليس فقط لعدم وجود حرية تحتاجها بيئة الإعلام الناجح، ولكن بجانب هذا لأننا لم نجد في خيارات أهل الحكم، ما يسهل عملية النجاح لمحطة تلفزيونية، وإن أنفق عليها مثل جبل أحد ذهبا، فكل من وقع عليهم الاختيار لهم أعمال تلفزيونية سابقة، لم تنجح وليس لهم فيها بصمة. ياما جاب الغراب لأمه!
٭ صحافي من مصر