منوعات – هلا نيوز
تعكس عمق المعاناة التي يعيشها الشعوب في زمن الحروب والنزاعات. الحرب تترك آثارًا مدمرة، سواء من خلال فقدان الأرواح أو الأذى الذي يلحق بالمدنيين. كثيرون يتألمون بسبب العنف والفقر والتهجير. الأمل في السلام والتعافي دائمًا ما يبقى حاضراً، رغم كل الصعوبات.
غزة: يموتون قصفا بالطائرات الإسرائيلية، وجوعا جراء الحصار الذي تفرضه عليهم تل أبيب، وقهرا إثر الإبادة التي مورست ضدهم منذ أكثر من عام، إلا أنهم باتوا مؤخرا يموتون حرقا بلهيب القصف الإسرائيلي، ذلك هو واقع الفلسطينيين في قطاع غزة.
شعبان أحمد الدلو، شاب فلسطيني انتشر اسمه بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما التهمت النيران جسده حيًا داخل خيمته في مستشفى “شهداء الأقصى” بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، جراء قصف طائرة مسيرة إسرائيلية خيام النازحين فجر الاثنين.
ورفع الدلو (20 عاما) النازح من مدينة غزة، يده وهو يحترق، في واحدة من أكثر الليالي سوداوية على دير البلح منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مستغيثا بالحاضرين، وسط عجز الجميع عن الاقتراب، بسبب شدة النيران ونقص المعدات اللازمة للتعامل مع الحريق الضخم.
والتهمت ألسنة النيران مجموعة واسعة من خيام النازحين داخل أسوار مستشفى “شهداء الأقصى” وأحرقت 4 فلسطينيين نازحين داخل المستشفى حتى الموت، بينهم شعبان ووالدته، ناهيك عن إصابة أكثر من 40 آخرين بجراح وحروق، وفق بيان وزارة الصحة الفلسطينية.
وفجر الاثنين، استيقظ النازحون داخل مستشفى “شهداء الأقصى” على أصوات قصف مدوٍ وحرائق مشتعلة في خيام النازحين، ما أثار الخوف والرعب في صفوف المرضى والنازحين والطواقم الطبية والصحافيين المتواجدين في المكان.
وأقر الجيش الإسرائيلي قصفه خياما للنازحين في “مستشفى شهداء الأقصى” بزعم وجود مسلحين تابعين لحركة حماس التي نفت مرارا ادعاءات مشابهة للجيش الإسرائيلي بشأن استخدام عناصرها لمدارس أو مستشفيات أو منشآت مدنية.
احترقا أمامي
الشاب الدلو طالب هندسة برمجيات وبدأ أولى خطواته نحو تحقيق حلمه الكبير بأن يكون مهندسًا، حيث عاش حياة مليئة بالتحديات والآمال، لكنه غادرها باكرًا كأحد ضحايا الإبادة الإسرائيلية.
ويقول شقيقه الأصغر وهو يحاول إخفاء حزنه على فقدان شقيقه ووالدته: “أخي شعبان كان سنداً وصديقاً وشقيقاً ورفيقاً للدرب، ولم يكن فقدانه بالأمر السهل، خاصة أنه تعرض لإصابة طفيفة في قصف إسرائيلي سابق قبل أسبوع للمسجد المقابل لمستشفى شهداء الأقصى”.
ومستذكرا أحداث تلك الليلة الحزينة، يقول شقيق شعبان: “الساعة 1:30 فجراً (+3 ت.غ)، قُصفت الخيمة التي ينام فيها شقيقي وأمي، وكنت في الخيمة المجاورة، فاستيقظت على أهوال لم أرها في حياتي، ولم أستطع فعل أي شيء”.
وبدموع يغلبها الحسرة الدامية، يضيف: “شاهدت أمي وأخي وهما يحترقان أمام عيوني ولم أتمكن من إنقاذهما”.
واعتبر أن “المشهد الأكثر ألمًا في تلك الليلة هو رؤيته يحترق على مرأى من الجميع دون أن يتمكن أحد من مساعدته، فألسنة اللهب التهمت كل شيء، والجميع لم يستطيعوا الاقتراب بسبب الحريق الهائل”.
وبشأن مصير بقية أفراد العائلة، يوضح أنهم “تفرقوا وبات كل فرد في مكان مختلف، فشقيقتي مصابة وهي داخل مستشفى شهداء الأقصى، ووالدي أيضًا في مستشفى ناصر الطبي في خان يونس (جنوب)”.
وعن سيرة شعبان الذي قضى حرقا، يقول شقيقه كان يعمل بجد لدعم عائلته التي لجأت إلى خيمة داخل أسوار المستشفى، بعد تدمير منزلهم في غارات سابقة.
وبرغم كل تلك التحديات، استمر شعبان في مواصلة تعليمه إلكترونيا، وكان يقطع يوميا مسافة طويلة للوصول إلى الإنترنت من أجل متابعة دروسه.
كل ذلك، كان من أجل تأمين مستقبل أفضل لعائلته التي أجبرتها حرب الإبادة الإسرائيلية على النزوح، وفق شقيقه.
لكن في تلك الليلة، حين استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية خيام النازحين، لم يعد لشعبان سوى محاولة النجاة من النيران التي كانت أسرع منه وأحرقته وخيمته، وتلاشى حلمه كما تلاشى جسده.
كان يرتل القرآن
وقبل احتراقه بأيام، كتب شعبان منشوراً عبر منصة إنستغرام يعبر فيها عن معاناته، قائلا: “اعتدت أن أحلم بأحلام كبيرة، لكن الحرب (الإسرائيلية) دمرتها، ما جعلني مريضا جسديا وعقليا.. أعاني من الاكتئاب وتساقط الشعر بسبب الصدمة المستمرة”.
كما عبّر عن أمله في مستقبل أكثر إشراقا لأهله وللأطفال الذين يعانون من أهوال الحرب، داعيا الناس إلى دعم قضية النازحين وتخفيف معاناتهم.
ورغم الصعوبات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية والحصار المشدد، ظل شعبان متمسكا بأحلامه، فقد كان يحفظ القرآن الكريم ويسعى لبناء مستقبل أفضل له ولعائلته، وسعى جاهدا لمساعدة عائلته في تجاوز ظروف الحرب القاهرة، وفق شقيقه.
ويضيف: “قبل أسبوع من استشهاده كان شعبان يرتل القرآن الكريم داخل المسجد المقابل لمستشفى شهداء الأقصى وانتهى من تلاوته في تمام الساعة الواحدة فجرا، وبعد نصف ساعة تقريباً شنت الطائرات الحربية غارة على المسجد، لكنه نجا من هذا القصف بأعجوبة”.
وجاء القصف الإسرائيلي على المستشفى بعد ساعات قليلة من استشهاد 22 فلسطينيا بينهم 15 طفلا وامرأة وإصابة 80 آخرين بغارة إسرائيلية استهدفت مساء الأحد مدرسة “المفتي” التي تؤوي آلاف النازحين بمخيم النصيرات وسط القطاع.
ومنذ بداية الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة يواجه الفلسطينيون معاناة النزوح، حيث يأمر الجيش الإسرائيلي أهالي مناطق وأحياء سكنية بإخلائها استعدادا لقصفها وتدميرها والتوغل داخلها.
وخلفت الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في غزة بدعم أمريكي منذ أكثر من عام، أكثر من 140 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل إسرائيل الإبادة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال “الإبادة الجماعية” وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.