عربي دولي – هلا نيوز
بالتزامن مع الصراع المتصاعد بين جماعة حزب الله وإسرائيل، التي تكثف غاراتها على لبنان، اضطر مئات آلاف الأشخاص إلى مغادرة البلاد والفرار إلى سوريا المجاورة، التي تعيش بدورها صراعا ممتدا منذ نحو 13 عاما، بين نظام بشار الأسد وفصائل مسلحة.
ووفقاً لأرقام أعلنتها الحكومة اللبنانية ـ والتي كانت بطيئة التحديث بسبب الحجم الهائل من العابرين للحدود ـ غادر لبنان أكثر من 374 ألف شخص ودخلوا سوريا في الفترة من 23 سبتمبر حتى يوم الإثنين. وتقول السلطات إن أكثر من 90 ألف شخص منهم لبنانيون، وفق صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
وتأتي هذه الموجة الكبير من اللجوء والنزوح إلى سوريا، في ظل معاناتها من صراع دموي بين نظام الأسد والعديد من فصائل المعارضة المسلحة، أدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون وتشريد أكثر من 7 ملايين نسمة داخل البلاد، بالإضافة إلى لجوء أكثر من 4 أربعة ملايين إلى أوروبا ودول مجاورة.
والجمعة، قال وزير النقل اللبناني، علي حمية، لرويترز، الجمعة، إن غارة إسرائيلية وقعت قرب معبر المصنع الحدودي مع سوريا، مما أدى إلى قطع طريق سلكه “مئات الآلاف” من الأشخاص للفرار خلال الأيام الماضية.
وأوضح حمية أن الضربة وقعت بعد المعبر الحدودي مباشرة، لكنها داخل الأراضي اللبنانية. وذكر أنها أحدثت حفرة بعرض 4 أمتار.
وكان مصدر إسرائيلي قد قال الجمعة، إن الجيش “هاجم منطقة المصنع الحدودية، بعد أن رصد محاولة تهريب من سوريا إلى لبنان”.
وفي حديثهم لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أثناء فرارهم، الأربعاء، وصف لبنانيون وسوريون على حد سواء، عبور الحدود بأنه طوق نجاة، لافتين في الوقت نفسه إلى أنهم لم يتخيلوا أبدا الإقبال على مثل هذه الخطوة، معتبرين أن “الأمر يستحق المخاطرة” للهروب من ضربات إسرائيل.
ومن بين الذين قرروا الذهاب إلى سوريا، خالد الهلالي وزوجته فاطمة، حيث قالا للصحيفة الأميركية، بينما كانا يصطفان في طابور للحصول على ختم على جوازي سفرهما : “لا نعرف حتى ما أكثر شيء يقلقنا.. لن نستطيع التفكير بذلك حتى نعبر الحدود”.
وكانت رحلة العائلة قد بدأت للتو، لكن طفلتهما كانت منهكة بالفعل، حيث بدأت دون علمها رحلة أخرى للهروب من الخطر للمرة الثانية في أقل من أسبوعين.
وفي صباح الجمعة، قصفت الطائرات الإسرائيلية معبر “المصنع” الذي يربط بين البلدين، وذلك بعد أن قال الجيش الإسرائيلي إن جماعة حزب الله “تستخدمه لتهريب الأسلحة”.
وكان خالد وفاطمة يأملان في جعل عبورهما سريعًا ليصلا إلى حدود سوريا مع الأردن قبل إغلاقها في الساعة 6 مساءً.
ومن هناك، سيأخذ خالد ابنتهما إلى السويد، حيث يعمل ويحمل جنسية ذلك البلد، بينما ستبقى زوجته، التي تحمل جواز سفر لبناني فقط، مع بقية أفراد العائلة في العاصمة الأردنية عمان، إلى أن يتمكنوا من لم شملهم.
وكانت قريتهم الواقعة على مشارف الناقورة، على مقربة من الحدود الإسرائيلية، تحت نيران متواصلة تقريبًا لمدة عام تقريبًا، حيث انخرطت إسرائيل وحزب الله في ضربات متبادلة.
وبقيت فاطمة وابنتها بالقرية حتى الأسبوع الماضي، ثم انتقلتا شمالاً إلى مدينة صور، لكن غارة ضربت مواقع لحزب الله هناك أيضًا، ومع تقلص أجزاء من البلاد يمكن اعتبارها آمنة، قالا إنهما لم يكن لديهما أي خيار آخر سوى المغادرة.
ولم تكن عائلة الهلالي وحدها في الطابور، فقد كانت هناك حافلات صغيرة تحمل ما يصل إلى 10 أشخاص، مصطفة على طول الطريق المؤدي إلى المعبر، مع أكبر قدر ممكن من الأمتعة المربوطة بالأسقف.
وحمل بعض الأطفال أكياسًا بلاستيكية بها القليل من الأشياء التي ما زالت لديهم بعد قصف منازلهم.
وتم احتجاز خالد وفاطمة على الحدود لساعات أثناء معالجة أوراقهما، وفي النهاية، غادر السائق الذي اتفقا معه، تاركا إياهما عالقين حتى وافق سائق آخر على نقلهما، لكن فقط إلى درعا، وهي مدينة في جنوب سوريا تعاني من اضطرابات أمنية.
“أنا خائف”
وعاد إلى سوريا مواطنون كانوا قد لجؤوا إلى لبنان بسبب الأزمة في بلدهم، لكنهم أعربوا عن مخاوفهم من أنهم لن يكونوا بأمان لدى عودتهم، وفق الصحيفة، ومن بينهم أحمد (24 عامًا)، و3 من أصدقائه.
وهؤلاء الأربعة كانوا من بين مئات آلاف السوريين الذين غادروا بلادهم إلى لبنان، لكنهم الآن يعودون، على الرغم من المخاطر الأمنية المحدقة بهم.
وغادر أحمد، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته إلا باسمه الأول لأسباب أمنية، محافظة دير الزور في شرق سوريا عام 2015، عندما كانت تحت حصار تنظيم داعش.
ومنذ ذلك الحين، عاش في الضاحية الجنوبية لبيروت التي كانت إسرائيل تقصفها بالضربات الجوية. والآن، وهو يعود، يخشى أن يُجبر على أداء الخدمة العسكري ضمن قوات النظام، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى مغادرة بلاده في المقام الأول.
وكان أحمد في خطر تقريبًا بمجرد عبوره الحدود، فقد وصل إلى العاصمة دمشق، لكنه فقد هويته وقضى معظم وقته في محاولة تجنب نقاط التفتيش، وهو يريد السفر إلى دير الزور ثم العبور إلى العراق، وإلا فإنه سيكون أمامه 15 يومًا للوصول لإجراء تسوية والالتحاق بالخدمة العسكرية
وقال في رسالة نصية في وقت متأخر من يوم الخميس، للصحيفة الأميركية: “أنا خائف”.
من جانبها، أوضحت رولا أمين، المتحدثة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا، أن الكثيرين يغادرون لبنان دون أي موارد مادية على الإطلاق، بل أن بعضهم لا يملك حتى تعرفة سيارة أجرة لنقلهم إلى وجهاتهم النهائية.
وأكدت الأمين أن سوريا تعاني بالأساس “تدهورا في البنية الأساسية، وبالتالي فإن القدرة على الوصول إلى الخدمات الضرورية محدودة”.
وأضافت أنه في حين يقيم معظم اللبنانيين الفارين من الحرب مع أصدقائهم، فإن حوالي 2600 يقيمون في مراكز النزوح في سوريا.
“مخاوف من توترات طائفية”
ويقول عاملون في المجال الإنساني بسوريا، إنهم لم يروا بعد توترات طائفية تشتعل بسبب التدفق من لبنان، موضحين أنه “إذا تصاعد الصراع وهرب المزيد من اللبنانيين، فإن الضغط على موارد سوريا المحدودة بالفعل قد يزيد من التوترات ويؤدي إلى المزيد من العنف”.
وفي الوقت نفسه، يعرب بعض الدبلوماسيين الغربيين عن قلقهم من أن نزوح السوريين من لبنان، قد يشجع الحكومة اللبنانية على المضي قدماً في عمليات الترحيل الجماعي غير القانونية للاجئين، بمجرد أن تهدأ الحرب.
وتقول الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان والخبراء الإقليميون، إن العديد من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان معرضون لخطر الاعتقال أو الاختفاء القسري إذا عادوا.
وفي هذا الصدد، قال مدير مركز الوصول لحقوق الإنسان، محمد المصري، الذي يتتبع عمليات ترحيل اللاجئين السوريين، إن العديد من اللاجئين “يستخدمون طرقاً غير نظامية للخروج من لبنان إلى سوريا، حتى يتمكنوا من تجنب عمليات التفتيش الأمنية”.
وأضاف أن رجلاً واحداً على الأقل انشق عن الجيش السوري وعاد إلى البلاد خلال الأسبوع الماضي، تم اعتقاله ولم تُسمع عنه أي أخبار منذ ذلك الحين.
وفي معبر المصنع، قال سائقون إنهم ينقلون أعداداً كبيرة من السوريين الخائفين من الحكومة عبر الجبال القريبة بشكل غير قانوني، مقابل 25 دولاراً فقط، حسب واشنطن بوست.
وتجاهل أحد مسؤولي الحدود، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتحدث إلى الصحافة، المخاوف بشأن اعتقال القوات النظامية للسوريين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني، مردفا: “لا تقلقوا بشأن هؤلاء الناس، فالجبال كبيرة”.