مقالات واراء – هلا نيوز
محمد عايش –
يشكل اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اختراقاً إسرائيلياً كبيراً وإنجازاً لصالح الاحتلال في معركته الكبرى مع الأمة، تماماً مثل اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، الذي وصلت إليه صواريخ الاحتلال وهو في العاصمة الإيرانية طهران، لكنَّ الأمر المؤكد هو أنَّ كليهما لم يكن ينتظر أو يتوقع نهاية تختلف عن هذه، فضلاً عن أن الموت شهيداً كانت أمنية كل منهما وذلك لأسباب دينية يعرفها الجميع.
اغتيال نصر الله فجّر نزيفاً من الأسئلة لدى كل المراقبين والحلفاء وعناصر الحزب ذاته وغيرهم، حول كيفية الوصول إلى الرجل الأول في الحزب، وكيف عرف الاحتلال بمكان وجوده، وكيف علم بالاجتماع المهم ومكانه والحاضرين فيه، فضلاً عن أن المكان كان محصناً، ولم يكن ممكناً أن ينجح قصفه لولا استخدام كمية هائلة وغير مسبوقة من المواد المتفجرة.
من المؤكد أن «حزب الله» سيفتح تحقيقاً موسعاً في الأحداث الأخيرة، والتحقيقات لن تتوقف عند اغتيال نصر الله وحده، بل ستمتد بكل تأكيد إلى تفجيرات البيجر واللاسلكي، التي أودت بحياة المئات من عناصر الحزب، وكذلك مسلسل الاغتيالات التي طالت مسؤولي الصف الأول والثاني في الحزب، ولا شك في أن الحزب سيصل إلى أجوبة تتعلق بكثير من هذه الأسئلة والأحداث. لكنَّ السؤال الذهبي في كل هذه المعركة هو: هل ستنجح إسرائيل في القضاء على «حزب الله»؟ وما مستقبل الحزب بعد اغتيال زعيمه التاريخي الأهم؟ والإجابة على هذا السؤال يجب أن تضع في الاعتبار المعطيات التالية:
أولاً: إسرائيل اغتالت الأمين العام السابق لـ»حزب الله» في عام 1992 عباس الموسوي، ومن ثم اغتالت الآن خليفته حسن نصر الله، وعندما اغتيل الموسوي لم يتأثر الحزب ولم يتزعزع، على الرغم من أنه كان ما يزالُ وليداً، حيث يُؤرخ لتأسيسه في عام 1989، ما يعني أن اغتيال الموسوي كان من الممكن أن يُشكل هزة أكبر للحزب وزعزعة لصفوفه، لكن هذا لم يحدث، ومن باب أولى أن لا نتوقع حدوثه بعد أربعين عاماً من تأسيس «حزب الله».
ثانيا: رغم أن النظام الداخلي لـ»حزب الله» ليس علنياً ولا معروفاً ولا متداولاً، إلا أن الواضح والظاهر أن ثمة «مؤسسية» رفيعة المستوى في الحزب ظهرت جلياً عند تنصيب حسن نصر الله أميناً عاماً، حيث حدث ذلك يوم 16 فبراير/شباط 1992، وهو اليوم نفسه الذي اغتيل فيه الموسوي، ما يعني أن تنصيب نصر الله خلفاً للأمين العام، الذي تم اغتياله استغرق ساعات قليلة فقط.
ثالثاً: سياسة الاغتيالات الإسرائيلية أظهرت فشلاً ذريعاً طوال العقود الثلاثة الماضية، بما في ذلك السياسة التي تبناها بنيامين نتنياهو نفسه، الذي سجل خلال تاريخه السياسي أفشل عملية اغتيال في تاريخ إسرائيل، حيث كان رئيساً للوزراء عندما حاول الموساد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عام 1997، وانتهت تلك المحاولة الفاشلة بإنقاذ حياة مشعل وإخلاء سبيل الشيخ أحمد ياسين. ولاحقاً لذلك نفذت إسرائيل جملة اغتيالات في العامين 2003 و2004 طالت قادة الصف الأول كافة في حركة حماس، إضافة الى الرئيس الفلسطيني وزعيم حركة فتح ياسر عرفات الذي قامت قوات الاحتلال بتسميمه وحصاره حتى استشهد.. وعلى الرغم من ذلك كله لم تنته حركة حماس، بل توفي مهندس عمليات الاغتيال أرييل شارون، وسرعان ما عادت حماس لترتيب صفوفها خلال سنوات قليلة.
رابعاً: اغتالت إسرائيل أيضاً زعيم حركة حماس إسماعيل هنية قبل أكثر من شهرين، وزعمت أيضاً بأنها اغتالت الزعيم التاريخي لكتائب القسام (لا تأكيد فلسطيني حتى الآن)، وسوّق نتنياهو هذه الاغتيالات على أنها انتصار كبير، وظن الكثيرون بأن اغتيال قيادة حماس سيعني استسلامها وانتهاء الحرب، لكنّ ما حدث أن الحركة واصلت عملياتها، ولا يبدو مطلقاً أنها تأثرت بذلك، بل إن مقاتليها يبدو أنهم لم يسمعوا أصلاً بخبر اغتيال زعيمهم!
والخلاصة هي، أنَّ اسرائيل تخوض حرباً عمياء ليس لها أي مضمون سوى القتل والإبادة، كما أن نتنياهو الذي يبلغ من العمر اليوم 74 عاماً يتخبط وليس لديه أية خطة ولم ينجح في تحقيق أي هدف، أما حزبُ الله وحركة حماس وغيرهما من حركات المقاومة فقد بات واضحاً أنها قوى مؤسسية ومنظمة ولا تتأثر بغياب الأفراد ولا بسياسة الاغتيالات.
كاتب فلسطيني