مقالات واراء – هلا نيوز
رغم مرور عام منذ الحرب البربرية على غزة، وربما بسبب ذلك، يتواصل السجال الداخلي في إسرائيل حول الذهاب لصفقة وإنهاء الحرب بين من يرى بوقفها خسارة إستراتيجية لها ومن يشدّد على أن خطورة استمرار هذا النزيف الذي من شأنه أن يورّطها أكثر، بل ربما يسقطها في “حفرة إستراتيجية”، كما قال مستشار الأمن الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند أمس.
في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، يرى الكاتب الصحفي الإسرائيلي إفرايم غانور أن إسرائيل كلما اقتربت من تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ذكرى اندلاع حرب “السيوف الحديدية”، يزداد الشعور بسطوة “آلة نفث السم”، التي تحاول إلقاء اللوم على العالم بأسره، من أجل إبعاد أيّ لطخة من المسؤولية عن الحكومة ورئيسها، من كل مكان، وليس فقط من خلال التصريحات المعهودة الصادرة عن نتنياهو: “لم أكن أعلم، لم يبلّغني أحد، لم ينبّهني أحد إلى الأمر”.
وينبه غانور أيضاً إلى أنه ليس من قبيل الصدفة أن تنشر الصحافة الأجنبية في هذه الأيام وثائق استخباراتية يُزعم أنها صادرة عن أرفع المستويات في حركة “حماس”، وهي تهدف، بوضوح، إلى تبرير مواقف نتنياهو وخطواته مرجحاً أن يكون الأمر مجرد مسألة وقت، قبل أن تنكشف هذه الفضيحة ومصادرها أمام الجمهور.
ويضيف: “أمّا بالنسبة إلى أولئك الذين يكافحون في هذه اللحظات من أجل تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في أسباب أسوأ كارثة منذ قيام الدولة، ومَن يتحمل المسؤولية عنها، فيبدو أن هناك شكوكاً كبيرة تتعلق أساساً باحتمالات تشكيل لجنة تحقيق رسمية. لكن، ربما الأهم والأكثر إلحاحاً هنا هو الحاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق للتدقيق في سلوك الحكومة الغريب منذ تاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر، وحتى اليوم”.
طبقاً لغانور، ما من شك في أن النتائج التي سيتم التوصل إليها، إذا شُكّل مثل هذه اللجنة، ستكون خطِرة ومؤلمة بالقدر نفسه: إن ما نعيشه اليوم، بالذات، ما تسميه هذه الحكومة ومؤيدوها “نصراً مطلقاً”، وإليكم بعض ملامح هذا النصر: لا يزال يحيى السنوار حيّاً، وكامناً في مكان ما، بعد نحو عام على الحرب، وهو يضع شروطاً لإسرائيل، كأننا في 8 تشرين الأول/أكتوبر، بينما يحتفظ بـ101 رهينة، ويستمتع بمشاهدة إسرائيل وهي تتمزق بين مَن يناضلون من أجل إطلاق سراح الأسرى، عبر صفقة، وبين المستعدين للتضحية بالأسرى على مذبح “النصر المطلق”، وهو نصر غير واقعي، ولن يتحقق قط.
صداع غزة.. حرب العصابات
ويرجح غانور أن ما كان هو ما سيكون، فقطاع غزة سيسبّب لنا الصداع دائماً، على مدار أعوام مقبلة: تلقينا هذا الأسبوع تأكيداً لذلك بواسطة صاروخين أُطلقا على عسقلان. أمّا أولئك الذين يعلنون في هذه الأيام، بصوت عالٍ، أن نهاية “حماس” اقتربت، فهُم أنفسهم الذين كانوا، قبل عام، يفضلون “حماس” قوية ومستقرة في وجه السلطة الفلسطينية، ويرونها أداة إستراتيجية مهمة للسيطرة على الضفة الغربية، وتحقيق حلم “أرض إسرائيل الكاملة. ويقول إن هذه الحكومة الفاشلة تحاول إيهام الناس بأننا قادرون على التحكم في قطاع غزة من خلال حُكم عسكري إسرائيلي، كما كانت عليه الحال في الماضي، لكن لن يمرّ وقت طويل إلى أن نشعر جيداً بقسوة مقاتلي حرب العصابات التي ستُشن ضد قواتنا في القطاع، والتي ستكلفنا دماءً وضحايا يومية مؤلمة، وستحوّل وهم النصر المطلق إلى جرح مؤلم ونازف.
ويتابع ساخراً: “أمّا الفرق بين شمال دولة “النصر المطلق” وجنوبها، بعد عام على الحرب، فهو أن سكان الشمال تم إجلاؤهم، تاركين وراءهم منازل مدمرة، وحقولاً محترقة، ومشاريع حياة متوقفة، ولم يُحدَّد موعد عودتهم، بينما سكان الجنوب تُركوا لمصيرهم تحت رحمة السماء، ولم يتركوا خلفهم سوى رماد وكارثة لن يمحوهما قط أيّ نصر”.
حكومة بلا بوصلة وبلا ضمير
بموجب رؤية غانور، فإنه، وسط كل هذا، يتساءل الشعب القلِق الحزين: عن أيّ نصر مُطلق يتحدثون؟ هل هو النصر على “حماس”؟ ربما على “حزب الله” في الشمال؟ أم على “الإرهاب” المتصاعد في الضفة الغربية؟ أهو النصر على الحوثيين في اليمن؟ أم هو النصر النهائي على إيران؟
عن كل ذلك يضيف قاطعاً: “أيها السادة، إذا حققنا نصراً إضافياً واحداً من الانتصارات التي على هذه الشاكلة، فإننا سنضيع. لا أحد سوى هذه الحكومة الغارقة في الهذيان، قادر على الحديث عن نصر مطلق، بينما تغرقنا في واقع مرير، من دون تقديم حلول مناسبة على أيّ جبهة. هذه الحكومة بلا بوصلة، ولا ضمير، تقود الدولة نحو الكارثة، الخطوة تلو الخطوة. وعندما يقف بن غفير وسموتريتش، إلى جانب رئيس الوزراء نتنياهو في معسكر “النصر المطلق”، واللذان يرفعان أعلام هذا النصر الوهمي، فعلينا القول على البلد السلام، فهذا البلد ذاهب إلى الهاوية، لا محالة… ذكرى اندلاع هذه الحرب اللعينة تقترب، وحالتنا تزداد سوءاً وخطورةً”.
ويختتم بالقول: “حدث كل هذا لأن عائلة نتنياهو لم توافق على التخلي عن السلطة، وكانت مستعدة للتضحية بالشعب والدولة من أجل البقاء في الحكم”.
خط أحمر أخير أمام إسرائيل
في المقابل؛ هناك من يرى بضرورة مواصلة القتال دون هوادة، معتبراً وقفه خطراً كبيراً على مستقبل إسرائيل، من بينهم الحاخام حاييم نافون، الذي يقول، في مقال تنشره صحيفة المستوطنين “ماكور ريشون”، إنه كلما زاد إصرار نتنياهو على عدم الانسحاب منه (محور فيلادلفيا)، كلما سخر معارضوه من إصراره على هذا المحور بالذات. وطبقاً لهذا الحاخام فإن مَن يفتح الخريطة، يجد أن المقصود ليست طريقاً نائية، ومجرد نزوة شريرة يصرّ رئيس الحكومة على الاحتفاظ بها، بل إن المسـألة هي مَن سيسيطر على الحدود. لكن حتى هذا، في رأيي، ليس هو المسألة المهمة في هذه القصة. ليس لديّ أيّ فكرة عمّا يدور في خلد رئيس الحكومة نتنياهو في هذا السياق، لكنني أستطيع التعبير عمّا يدور في رأسي وقلبي. الحزن على الأسرى والمخطوفين مفجع، وألم العائلات يدمي القلب. من حقهم أن يصرخوا، ومن واجبنا الاستماع إليهم. ويجب على دولة إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها من أجل تحريرهم من الأسر. كما يجب أن نسأل عمّا يمكنها أن تفعله تحديداً، وماذا يوجد ما وراء الحدود. كما يجب أن نستمع إلى تسفيكا مور، والد أحد المخطوفين، عندما يشرح سبب معارضته صفقة سيئة.
في صلب مزاعمه يعبّر هذا الحاخام عن قطاع اليمين في إسرائيل وعن حكومة الاحتلال بالقول: “وإذا كانت إسرائيل مستعدة لإخضاع حاجاتها الإستراتيجية الآن لصفقة مخطوفين، فإن النتيجة ستكون مضاعفة جهود التنظيمات “الإرهابية” في خطف مزيد من الإسرائيليين… على خلفية تاريخنا الدموي، نحن نعرف معرفة وثيقة أن الخضوع لـ “الإرهاب” يولد مزيداً من “الإرهاب”. لقد حرّرنا ألف أسير فلسطيني مقابل جلعاد شاليط، وحصلنا على “المذبحة” في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لقد كانت “حماس” مستعدة للتضحية بآلاف القتلى من عناصرها من أجل خطف عشرات المواطنين الإسرائيليين. وإذا اكتشف أعداء إسرائيل أنها مستعدة لدفع “أيّ ثمن”، بما فيه أثمان إستراتيجية مقابل المخطوفين، ما هو عدد القتلى الذين سيضحّي بهم أعداء إسرائيل في المرة المقبلة؟ هل سيضحّي “حزب الله” بعشرات الآلاف من القتلى من أجل السيطرة على ثلاث مدارس مع تلامذتها، والمطالبة بتفكيك مفاعل ديمونا في مقابل إطلاق سراحهم؟ ماذا سنفعل حينها؟ إن الطريق الوحيدة لمنع وقوع مثل هذه الكوارث أن توضح إسرائيل مسبقاً أنها لن تقدم “للمخربين” أرصدة إستراتيجية في مقابل المخطوفين.
ويختتم بالقول إنه لا يعارض الصفقة مبدئياً، لكن “سابقة الخضوع الإستراتيجي في مقابل مخطوفين”، يمكن، برأيه، أن تترك أثراً مدمراً وقاتلاً في مستقبلنا، ويجب علينا عدم إبرام صفقة سيئة، يمكن أن يندم عليها أولادنا وأحفادنا كثيراً”.