منوعات هلا نيوز
غادة بوشحيط
لم يكن أكثر المتحمسين لأولمبياد باريس يتوقع كل هذه الإثارة، التي تطبع يومياته. بعيدا عن الأرقام القياسية التي حققها الرياضيون – لم ولن يتذكرها أحد على ما يبدو- وبعيدا عن الجدل الكبير الذي أثاره حفل الافتتاح، وقد أصبح من الماضي في ظل المستجدات الدولية التي تنذر بحرب إقليمية في الشرق الأوسط، وانهيار اقتصادي وشيك، وسلسلة الجدالات العنيفة التي تدشن لحقبة جديدة في تاريخ الفضاء العام، لا أوروبيا حصرا.
«طوفان» الألعاب الأولمبية بدا وقد غطى على قيظ الصيف، إشاعات تسونامي المتوسط التي طالت «تحضيراته»، بل واختراع منافسات جديدة، في المغرب العربي على الأقل.
ماراثون للجميع: عجائب التونسيين
من تابع فصول تحضير الألعاب الأولمبية 2024 الجارية في باريس منذ نهاية يوليو/تموز الماضي، يعلم أنه أريد لها أن تكون علامة فارقة في تاريخ الرياضة عالميا، لا من باب «الحقوق» (التي ستفرغ باريس بموجبها من كل المهاجرين غير الشرعيين والمتشردين لتمنح زائريها صورة متناسقة)، و»المساواة» (بين الضحية والجلاد مثلا من خلال استضافة الرئيس الإسرائيلي)، بل من خلال اقتراح رياضات جديدة. من بين الرياضات المقترحة ما يعرف بالماراثون للجميع، وهو سباق يشارك فيه أشخاص، ليسوا رياضيين محترفين. الفكرة لاقت رواجا، كثر تحضروا للموعد، التونسيون تحديدا على ما يبدو، ولكن في سياق مواز.
لم تتمكن فضية البطل الأولمبي التونسي فرجاني فارس في فنون المبارزة من أن تمنع رواد التواصل الاجتماعي عن حمى الرئاسيات، التي وإن تأخرت في الانطلاق فإن سباقها يعد بمفاجآت. لا الشخصيات السياسية المعروفة، ولا وجوه زمن بن علي، ولا حتى ترشح قيس السعيد من جديد، الرئيس المنتهية ولايته – وكان خامس من أودع ملف الترشح -جذبت أنظار التونسيين بقدر ما فعل إعلان مغني الراب التونسي المعروف «كادوريم» عن عزمه دخول قصر قرطاج.
الرجل كان صهر «بن علي» (أعلن ارتباطه رسميا بابنة «بن علي» سنة 2019، وتم الانفصال سريعا على ما يبدو)، كما ربطته علاقة بابنة «بابلو اسكوبار» تاجر المخدرات الكولومبي الشهير، والتي سبق وأعلن أنه يتعاون معها في كتابة سيرة والدها.
النابش في سيرة الرجل سرعان ما سينتبه للطموحات السياسية للرجل التي بدأت منذ فترة، من أعمال خيرية، ومداخلات على وسائل الإعلام الوطنية «كثيرة وسياسية».
«كادوريم» ليس الفنان التونسي الوحيد، الذي أعلن رغبته في الترشح، كذلك فعل المغني الشعبي «معز دينيز»، والممثلة التونسية نجوى ميلاد، لكن حظوظ «الرابر» تبقى الأوفر، إذ تلقى دعما من زميلته الراقصة التونسية نرمين صفر، التي اقترحت عليه توليها ملف الثقافة إذا ما صار رئيسا للجمهورية، الأمر الذي أثار حفيظة رواد الفضاءات الافتراضية، وجعل تعليقاتهم تتراوح بين من يبكي بلدا، وبين من يجد في الأمر انعكاسا لحالة انفتاح وديمقراطية، في حين حول الأغلبية الموضوع مادة للسخرية.
المصارعة على الطريقة المغربية
ستون لاعبا، شكلوا الوفد المغربي الأولمبي إلى باريس، خامس أكبر وفد افريقي، والذي للأسف لم يتمكن – حتى كتابة هذه الأسطر- من احراز ميدالية واحدة، رغم الآمال الكبيرة التي علقت على رياضيين كثر، على رأسهم الملاكمة المغربية خديجة مرضي، بل حتى الفريق الوطني الأولمبي لكرة القدم، الذي تقدم أشواطا كبيرة، وقدم أداء جيدا خلال المباريات التي خاضها، سيما ضد فريق الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تغلب عليه بأربعة أهداف نظيفة، قبل أن يخسر بعد أداء مشرف أمام الفريق الإسباني لكرة القدم، ويرضى بالمنافسة على المركز الثالث.
لم يرق الأمر لرواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب على ما يبدو، الذين سرعان ما انقلبوا ضد ممثليهم الأولمبيين. حالة الاستقرار والفرح التي صنعها فريق كرة القدم خلال المراحل الأولى من الألعاب، والتي غطت على أحداث مهمة، دوى صداها إقليميا ودوليا، أهمها الإفراج عن عمر الراضي، توفيق بوعشرين، سليمان الريسوني، ومجموعة أخرى من سجناء الرأي بمناسبة عيد العرش، سرعان ما تحولت إلى حالة غضب، عبر عنها المغاربة افتراضيا، فيما يشبه التحقيق المستبق فيما اعتبره البعض تبذيرا للمال العام، وسوء تسيير للمسؤولين عن الرياضة في البلاد الذين لم يحققوا ألقابا ذهبوا من أجلها.
«الهبد» على الطريقة المصرية
يستخدم المصريون كلمة «هبد» كمرادف لـ«هراء» و«لغو»، والكلام الذي لا طائل منه – بالمناسبة شاركوا بأكبر وفد أولمبي عن القارة الافريقية بما يقارب المئة وخمسين رياضيا، تبقى حصيلتهم من الميداليات محتشمة جدا- وللكلمة وقع يتجاوز أي مرادف قاموسي، ولا كلمة غيرها يمكنها أن تعبر عن حالة الجنون التي استولت على الـ«سوشيال ميديا» في الجزائر هذه المرة.
يندر أن يتحمس الجزائريون جماعيا لرياضة غير كرة القدم، التي يمكن أن تصل مبارياتها حد فرض ما يشبه حالة الإضراب العام، بل قد تدخل الجماهير في حالة هيستيريا، سرعان ما تنعكس على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدت ألعاب باريس 2024 حدثا ثانويا في البلاد، لم يثر حفل الافتتاح الذي منعت بعض مقاطعه من العرض على التلفزيون الرسمي اهتمام الفضاء الافتراضي، بل كادت الألعاب ذاتها ألا تثير اهتمام رواد الفضاءات الرقمية، الذين بدوا أكثر انغماسا في أخبار العطلة التي كدرتها اشاعات تسونامي المتوسط ولطفها استعراض أبطال الجمهورية في امتحانات الثانوية العامة.
مغادرة الرياضيين من الأدوار الأولى سرعان ما تحولت لمادة للتنكيت، كما لم يمر تميز لاعبة الجمباز كيليا نمور وفوزها بميدالية ذهبية بسلام. فقد قسمت الرواد إلى فريق يستهزئ بالعنصرية على الطريقة الفرنسية، والتي كادت أن تحطم مسيرة الشابة ذات السبعة عشر ربيعا، باعتبارها مزدوجة الجنسية، ومن يسخر من لباس البطلة الذي يحسبه البعض لا يتوافق مع «الأخلاق العامة والعادات والتقاليد»، في رياضة لا تمتلك البلاد ولا المنطقة إجمالا «تقاليد» فيها!
الفورة الحقيقية التي عصفت بمواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وغطت على أخبار كثيرة يتابعها الشارع عن كثب، كأحداث غزة، كانت الحملة الشرسة التي ما زالت فصولها سارية ضد الملاكمة إيمان خليف. البطلة ذات الخمسة وعشرين ربيعا، وجدت نفسها مادة لجدال لا يد لها فيه، بعد أن تم اتهامها جزافا بأنها متحولة جنسيا، إثر انسحاب «ممثلة» إيطالية بعد ست وأربعين ثانية من منازلتها، بدعوى أنها تلقت ضربة «رجالية» (تمتلك مقياس خاص للضرب على ما يبدو)!
أما الملاكمة البولندية، التي تغلبت عليها في دور أكثر تقدما فوصفتها بالوحش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تعود وتتخلص من كل الهراء الذي أثارته.
وحافظت «خليف» على «هدوء أولمبي»، حسب التعبير الفرنسي، ردها جاء ميدانيا، ودموعها أبكت الجزائريين المشاهدين والقارئين.
من بين كل الرياضات المقترحة أعلاه، يبدو «الهبد» أقرب الرياضات للتبني الوشيك. انغماس شخصيات سياسية كبرى كـ»جورجيا ميلوني» و»دونالد ترامب»، كما «إيلون ميسك» والكثير من وسائل الإعلام العالمية في حملة «فاشية» ضد فتاة رياضية بسيطة، قادمة من قرية متوارية في بلد لا يعترف بالتحول الجنسي، حتى الطبي منه، يعبر عن هشاشة عالم يعيش أزمة أخلاقية موغلة، تعمقها التكنولوجيا.
في نقلته المرجوة نحو جيل 3.0، جيل السعادة المطلقة، يستدل الإنسان «المعدل والمتمم» بحواسه (البصر تحديدا) – تماما كالإنسان الأول -لإماطة لثام الحقائق الكبرى، وفي سعيه نحو الكمال لا ضير أن يلحق الضرر، معتنقا الجدال لا الحوار.
٭ كاتبة من الجزائر