مقالات واراء – هلا نيوز سليم عزوز
هل سيحرمنا بنيامين نتنياهو من الرشقة المعلوماتية الدسمة، التي يقدمها وليد العمري صباح كل يوم من الأرض المحتلة؟!
هذا ما يمكن له أن يفعله بمقتضى مشروع القانون الذي صوت عليه الكنيست ويمنح رئيس الوزراء سلطة حظر وسائل إعلام أجنبية من العمل في الأرض المحتلة، فقطاع غزة خارج ولايته، إلا من حيث قيام جيشه باستهداف الصحافيين هناك، واستهداف عائلاتهم، بحسبانه قوة بطش، كما يفعل أي مجرم حرب، لا يقيم وزناً للقانون الدولي، ويتحلل من القيم الإنسانية!
وليد العمري في رشقته اليومية، لا يخرج عن الأصول المهنية، وهو يقدم رؤية مكتملة للمشهد في الداخل الإسرائيلي، ويعرض الآراء جميعها حول هذه الحرب، للمؤيدين لرئيس الحكومة والمختلفين معه. وبجانب هذه الرشقة المعلوماتية فهو يمارس التحليل الموضوعي، وحسناً أنه لا يقاطع، وهو سلوك جديد يختلف عن الأيام الأولى للحرب، أو بالأحرى اليوم الأول لطوفان الأقصى، عندما كان المذيع يقاطع المراسل بسؤال جديد قبل أن يكمل جملته، وهكذا، على النحو الذي كان يربك مراسل الشارع، كما يربك المشاهد، وتبدو المقاطعة إثبات حضور لا أكثر، وفق القاعدة الأصولية: أنا أقاطع إذاً أنا مذيع!
ولو كانت الرسائل، التي يقدمها وليد العمري وفريق عمل «الجزيرة» من الأرض المحتلة تحتوي على معلومات كاذبة، أو خروجاً عن الموضوعية، لأمكن اصطيادهم بالقانون العادي، دون ركوب الصعب، بهذا القانون الذي جعل من إسرائيل مسخرة، وعلى نحو نسف الأسطورة الخاصة بديمقراطية القوم، ولطالما قدمت لنا إسرائيل على أنها واحة حرية وسط غابة من الديكتاتوريات العربية، فإذا برئيس الحكومة الإسرائيلية يتصرف كأي ديكتاتور عربي، ينتزع اختصاص اغلاق مكتب «الجزيرة» ، ويمنعها من العمل في البلاد، ولم يكن القرار أحادياً، كما في الحالات العربية المشابهة، لكنه استخدم مؤسسة تشريعية للتورط في الجريمة، فيوافق على التفويض 70 مقابل 10 من الأعضاء!
المثير في الأمر هو أن القانون منح سلطة مطلقة لنتنياهو في حظر وسائل الإعلام الأجنبية، ولم يحدد اسم «الجزيرة»، ومع ذلك فهم القاصي والداني أنها المقصودة بذلك، فلم يتسرب الشك إلى أحد حد تصوره أنه يستهدف «العربية»، أو «سكاي نيوز عربية»، أو «العربية الحدث»، أو أنه يستهدف قناة «القاهرة الإخبارية»، فمنذ اللحظة الأولى أخذ التشريع عنوان «قانون قناة الجزيرة»، ولم يكذب نتنياهو خبراً، وقال إنه سيقوم بطرد قناة «الجزيرة»، ولن تبث من إسرائيل بعد اليوم!
ومنذ بداية الحرب، وفي الحقيقة مع كل حرب ضد الفلسطينيين، فإن نتنياهو يكون كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، فيهدد بإغلاق قناة الجزيرة، لكنه الآن يتقدم خطوات للإمام، لأن نتائج هذه الحرب الطويلة وخيمة، وكشفت الطبيعة الإجرامية لسلوكه، فلعب على المكشوف بهذه الصلاحيات الممنوحة له من جانب الكنيست، وبناء على طلبه، وانتقل من زعيم عصابة ترتكب أعمالها في السر، بقتل شيرين أبو عاقلة، ومنع التحقيق في جريمة قتلها، إلى التعامل كديكتاتور واضح، وقد وقع في الحمى وتصرف كالمستبدين العرب.
إن كل ما فعلته «الجزيرة» أنها نقلت الحقيقة للمشاهدين، والحقيقة مؤلمة، فقد نقلت استهداف المدنيين، وقتل الأطفال، وتشريد النساء والعوائل، ونقلت حصار المستشفيات وقصفها واستهداف الطواقم الطبية، ونقلت حصار التجويع، الذي أفقد العالم الغربي كله إنسانيته، وسقطت بسبب هذا النقل كثير من الأساطير تماماً كما سقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأسطورة أن إسرائيل واحة الديمقراطية!
ونقلت «الجزيرة» من غزة استهداف المنازل، والشجر والحجر، الذي يقوم به الجيش، الذي كشف عن رعونة منقطعة النظير، وفي المقابل نقلت إنسانية المقاومة التي لم تعامل الأسرى بالمثل، وحافظت على حياتهم، وعاملتهم معاملة راقية، بما يجعلها قدوة للحضارة الغربية التي سقطت في الامتحان!
لم تفتعل «الجزيرة» حدثاً، ولم تختلق أمراً، ولم تنشر شائعة، ولم تنقل سوى الحقيقة، لكن الحقيقة أوجعت من تجردوا من الإنسانية وهم يواجهون بحقيقتهم، والأكثر من هذا أن هذا النقل أثبت عجز نتنياهو نفسه عن أن يحقق نصراً في المعارك، فذهب لينتصر على المدنيين العُزل.
ونتنياهو يهاجم الجزيرة ويتهمها بالتحريض، لكنه يعجز عن تقديم ما يفيد ذلك، ويعجز كذلك عن إثبات عدم المهنية في القناة، التي تعطي بتغطيتها درساً في المهنة؛ بأن حروب الحق، لا تحتاج إلى فبركة، فيكفي فقط نقل الحقيقة ليمثل هذا موقفاً مشرفاً للناقل، وكأنه يقف على الجبهة، وكأن صوت المراسل دانة، وميكروفونه صاروخ أرض جو!
في معركة الحصار على قطر، لم تتحول «الجزيرة» إلى بوق للدولة المحاصرة، فكانت تذيع رأي دول الحصار، بجانب رأي القطريين، وتنشر وجهة نظرهم بجانب وجهة النظر القطرية، وبذلك فقط تحولت الى مدفعية ثقيلة في المعركة أقوى من الجيوش المقاتلة في المعارك الكبرى، فجعلت من دول الحصار مثار سخرية، فانفلتت الأعصاب إلى السب بالأم والأب، وكأنها مشاجرة في حارة!
وفي الحرب على غزة، لم تمنع رأياً للجانب الإسرائيلي، لكن نقل الحقيقة فقط مثل انحيازاً للأمة ومعركتها، وأربك العدو، فخرج عن شعوره حد اتخاذ هذا القرار الكاشف عن أن العرق دساس!
لقد هزمتهم «الجزيرة» .
قرآن الجمعة.. أين ذهب؟
لم أعد أجد نفسي مدفوعاً لمشاهدة نقل التلفزيون المصري لصلاة الجمعة، فلا أفعل الآن هذا إلا مصادفة، بدون تربص، خلافاً لما كان عليه الحال من قبل، فهي مرحلة عبثية ألقت بظلالها على كل شيء؛ فلا قارئ للقرآن يطرب، ولا خطيب تشد اليه الرحال. ومنذ سنوات بعيدة رصدت هنا التحول في النقل من تسليط الكاميرا داخل المسجد؛ الناس، والقارئ، والخطيب، وأحيانا الزخارف، إلى ترك الكاميرا تلهو في الخارج، وغالباً ما يكون الخطيب هو مختار جمعة وزير الأوقاف، وهو حالة مستعصية على القبول.. سبحان الله!
ولهذا فقد علمت من منصات التواصل أنه لم يتم نقل قرآن الجمعة قبل الماضية، وهو طقس لا أعرف بلداً غير مصر تلتزم به، وقد جرى العرف في عموم القطر المصري، أن ينقل في مكبرات الصوت بالمساجد عبر الراديو!
ومما قيل إن عطلاً فنياً منع ذلك، وأن صح هذا فستكون هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، ودائماً النقل يضع في حسبانه أي طارئ بتوافر البديل، وهو النقل من مسجد التلفزيون، لا سيما مع حالة الفوضى بعد ثورة يناير، وهذا النقل الاحتياطي يحدث كنقل أصلي على القناة الثانية.
لا أدري لماذا خشيت ألا يكون الأمر مرتبطاً بعطل فني، ولكن لسلفنة الدولة، فمساجد السلفيين وحدها التي لا تعترف بقرآن الجمعة، وأخشى أن يكون أهل الحكم يجسون النبض بذلك.
والله نسأل أن يكذب ظننا!
أرض – جو:
عندما أجد مذيعاً ترك المجال للضيف ليتلاعب به ويتلاعب بالمشاهدين، أتذكر برنامج «شاهد على العصر»!
أحمد منصور، ليس اختراعاً، فمن الطبيعي أن يعد المذيع موضوعه جيداً، وأن يبحث في كل الموضوعات التي يثيرها مع ضيوفه، وأن يذاكر مادته!
في برنامج «السطر الأول» على قناة «أم بي سي»، كان الضيف نبيل نعيم، السجين السابق على ذمة الجماعات الإسلامية، وهو منتشر في الفضائيات، بحثاً عن الإثارة، ومعارك أوقات الفراغ، وهو من الذكاء بمكان حد أنه يعرف دوره، وفي كل لقاء يقول قصة أو أكثر للترويج، قد تكون من تأليفه!
في برنامج «السطر الأول» نقل نعيم ما دار بين خالد الإسلامبولي والشيخ عمر عبد الرحمن بشأن التخطيط لقتل الرئيس السادات، على نحو ذكرني بنكتة قديمة، أطلقت في نهاية الثمانينيات عن الصحافيين الذين يبحثون في أمر مفروغ منه، فأحدهم سأل مبارك عن حادث المنصة، واستنكف الرئيس، وقال هذا موضوع قديم ومعروف؛ فقد كنا في العرض العسكري، وأطلق الإسلامبولي الرصاص وقتل السادات، فسأله الصحافي: أفهم من هذا أن السادات مات مسموماً؟
المذيع، الذي يريد أن يناقش قضية اغتيال السادات، أمامه كتب صدرت عن المحاكمات، وملف القضية يمكن التوصل اليه بسهولة، بجانب ما نشرته الصحف في ذاك الأيام. فصاحب الفتوى هو محمد عبد السلام فرج، صاحب كتاب «الفريضة الغائبة».
هل تلاعب الضيف بالمذيع، أم كان توافقا على تقديم عرض مثير والسلام؟
٭ صحافي من مصر