عربي دولي- هلا نيوز
توفي وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار عن عمر يناهز 86 سنة، وفق ما أعلنه موقع “ألجيري باتريوتيك” المملوك لنجله. والرجل شخصية جدلية في الجزائر، تنقسم حولها الآراء بحدة، بالنظر لدوره الحاسم في أحداث مفصلية، خاصة سنوات الأزمة الأمنية بداية سنوات التسعين من القرن الماضي.
شاءت الأقدار أن يعلن عن وفاة نزار في نفس اليوم الذي يحدد فيه القضاء السويسري تاريخ محاكمته بتهم جرائم حرب تتعلق بفترة التسعينيات في الجزائر. وورد خبر الوفاة في بيان مقتضب نشره موقع “ألجيري باتريوتيك”، جاء فيه “يؤسفنا أن نعلن وفاة المجاهد خالد نزار عن عمر يناهز 86 سنة. ندعو الله أن يسكنه فسيح جناته”.
والراحل من مواليد قرية سريانة بولاية باتنة التي تعرف بمنطقة الأوراس شرق الجزائر في 27 كانون الأول/ديسمبر 1937، لأسرة من 14 فردا، عاصر الثورة الجزائرية التي انضم إليها بعد أن فرّ من الجيش الفرنسي الذي التحق بإحدى مدارسه العسكرية، ليبدأ مسيرته بعد استقلال البلاد ويتحول إلى أحد أبرز رجال المؤسسة العسكرية.
في عام 1982 أصبح قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة شرق البلاد، ثم عين قائدًا للقوات البرية ونائبًا لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في 16 يونيو 1987. وفي أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988 التي عرفت بانتفاضة الجزائريين ضد الظروف الاقتصادية ونظام الحزب الواحد، عهد إليه بمهمة إعادة النظام، وقد سقط في تلك الأحداث المئات من الوفيات.
وفي 10 تموز/يوليو 1990، عيّنه الرئيس الشاذلي بن جديد وزيرا للدفاع، وبقي في هذا المنصب إلى 27 تموز/يوليو 1993. وخلال هذه المدة التي شهدت صعودا لافتا للإسلاميين، كان له دور مفصلي في وقف المسار الانتخابي بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدور الأول نهاية سنة 1991 في الانتخابات التشريعية وكانت تتأهب لتكتسح أغلب مقاعد البرلمان، وهي الأزمة التي أدت بالرئيس الشاذلي بن جديد للاستقالة واعتبر نزار أبرز من دفعوه لذلك.
وفي الأشهر الأخيرة، عاد وزير الدفاع الجزائري السابق ليصنع الحدث مجددا بعد أن قرر القضاء السويسري تتويجا لمسلسل استمر أكثر من عشرين سنة، محاكمته عن شبهة ارتكاب جرائم في فترة الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر، وهي المحاكمة التي أعلن في الأمس عن تحديد موعد إجرائها في حزيران/يونيو المقبل.
وفي لائحة الاتهام التي قدمها مكتب المدعي العام السويسري بحق نزار الاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة الأزمة الأمنية التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي في البلاد سنة 1992.
وذكرت النيابة العامة السويسرية في بيان لها أن نزار بصفته وزيرا للدفاع وعضوا بالمجلس الأعلى للدولة، وضع أشخاصا محل ثقة لديه في مناصب رئيسة، وأنشأ عن علم وتعمد هياكل تهدف إلى “القضاء على المعارضة الإسلامية”. وأضافت “تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتهموا بالتعاطف مع المعارضين”.
ويشتبه حسب النيابة العامة السويسرية بأن نزار “وافق ونسق وشجع” على التعذيب وغيره من الأعمال “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، إضافة إلى عمليات “إعدام خارج نطاق القضاء”، حيث سيحاكم غيابيا بجرائم ارتكبت بين عامي 1992 و1994، عن 11 حالة تقول النيابة إنها وثقتها.
وأدت هذه القضية إلى غضب شديد لدى السلطات الجزائرية التي هاجمت بشدة تعامل نظيرتها السويسرية مع الملف. وبرز ذلك بوضوح في ثنايا اللغة التي وظفها وزير الخارجية أحمد عطاف في مكالمة هاتفية من نظيره السويسري اينياسيو كاسيس، شهر آب/أغسطس الماضي.
واللافت أن دفاع السلطات الجزائرية عن نزار جاء بعد فترة عانى فيها وزير الدفاع السابق من متاعب جمة مع القضاء العسكري الجزائري الذي قرر متابعته في فترة الحراك الشعبي سنة 2019 بتهم “المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية” و”التآمر ضد سلطة الدولة”. واضطر الرجل لمغادرة البلاد خوفا من الاعتقال، مطلقا سلسلة تغريدات نارية ضد رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، قبل أن يصدر في حقه بعد ذلك حكم غيابي بـ20 سنة سجنا نافذا.
لكن الرجل القوي في النظام سابقا عاد للبلاد بشكل مثير للجدل في كانون الأول/ديسمبر 2020 مستفيدا من إلغاء الأحكام القضائية الصادرة بحقه. وفي آب/أغسطس 2022 ، أعاد الرئيس عبد المجيد تبون الاعتبار للواء المتقاعد خالد نزار، حيث قام بتكريمه ضمن جملة من كبار القادة العسكريين الذين دخلوا السجن في فترة رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وتوبعوا بتهم خطيرة تتعلق بإضعاف معنويات الجيش والتآمر على سلطة الدولة والجيش.
وعرف عن الرجل رغم الانتقاد الشديد المستمر منذ نحو 40 سنة، الخيارات التي اتخذها عندما كان أقوى شخص في السلطة بعد استقالة الشاذلي بن جديد، ووضع عدة مؤلفات وأجرى حوارات صحافية تدافع عن نظرته في منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة ومشروعهم الذي كان يهدف حسبه لأفغنة الجزائر، ويؤيده في ذلك فصيل سياسي جزائري يعتبرونه “منقذ الجمهورية”، لكن خصومه يتهمونه في المقابل بالمسؤولية السياسية عن تفاقم الأزمة الأمنية التي لم تخرج منها البلاد إلا في بداية سنوات الألفين.