منوعات – هلا نيوز
ينشغل الرأي العام المحلي في المغرب حاليا بما عرف بقضية “إسكوبار الصحراء” التي أسقطت شخصيات بارزة تواجه تهما خطيرة مثل الاتجار الدولي للمخدرات والتزوير والنصب والاستيلاء على ممتلكات عقارية تعود لتاجر المخدرات المالي الذي يقبع حاليا في سجن “عكاشة” في الدار البيضاء، بعد نقله من سجن الجديدة.
القصة بدأت حين قدمت “الفرقة الوطنية للشرطة القضائية” أمام الوكيل العام للملك (المدعي العام) 25 شخصا على رأسهم سعيد الناصري، رئيس نادي الوداد البيضاوي، وعبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، بينهم 7 في حالة اعتقال و18 شخصا في حالة سراح.
الساعات الأولى كانت طويلة أمام المعتقلين، فقد قضوها كلها في التحقيقات والاستنطاق، والمواجهة بالدلائل التي جمعها الأمن المغربي من تحقيقاته الموسعة، وأكمل نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مهمة الاستجواب، ليلتمس إحالة عدد من المتابعين في قضية “إسكوبار الصحراء” في حالة اعتقال.
الأسماء التي سقطت لم تكن مجرد أوراق شجرة هبت عليها رياح الخريف بل كانت أسماء “ثقيلة” وفق التعبير المغربي
الأسماء التي سقطت لم تكن مجرد أوراق شجرة هبت عليها رياح الخريف، بل كانت أسماء “ثقيلة” وفق التعبير المغربي، وإلى جانب الشخصية المعروفة رياضيا وهو سعيد الناصري، الذي يرأس نادي الوداد الرياضي البيضاوي، هناك أيضا رئيس جهة الشرق عبد النبي بعيوي، وشقيقه، وأيضا برلماني سابق، ناهيك عن رجال أعمال ومسيري شركات وتجار وموثق وعناصر أمنية ومصممة أزياء.
من هو الحاج أحمد بن إبراهيم؟
بطل القضية
تاجر مخدرات كبير يلقب بـ “إسكوبار الصحراء”، واسمه “الحاج أحمد بن إبراهيم، مولود سنة 1976 في كيدال بمالي، من أم مغربية وأب مالي،. تقول أسبوعية “جون أفريك” إنه “تاجر المخدرات المنحدر من دولة مالي الذي جر شخصيات مغربية مرموقة في عالم الرياضة والسياسة، في ليلة الجمعة الماضية إلى سجن “عكاشة” بالدار البيضاء، في ملف ثقيل بدأ قبل 13 سنة، وفجره بارون المخدرات في الأشهر القليلة الماضية، بعدما أمضى أربع سنوات من التفكير في زنزانة سجنه بالجديدة، حيث يقيم منذ سنة 2019.”
بطل القضية تاجر مخدرات كبير يلقب بـ “إسكوبار الصحراء”، واسمه الحاج أحمد بن إبراهيم، مولود سنة 1976 في كيدال بمالي
وتضيف أن “الحاج أحمد بن إبراهيم المولود سنة 1976 في كيدال بمالي… من أم مغربية أصولها من مدينة وجدة، وأب مالي”، الحياة التي عاشها “بسيطة مثل أي ابن لراعي إبل”، لكن الصدفة لعبت دورها حين “لقائه بمشاركين في رالي باريس دكار، لـيشق طريقه، بتعميق معرفته بالصحراء، بضبط لهجات الأزاواد والتعرف على القبائل والوقوف على تفاصيل الساحل الإفريقي، ليتمتع بذلك بمقومات قليلا ما تجتمع في شخص واحد، ومكنته من وضع يده على مناطق واسعة من المنطقة.”
المصدر نفسه أشار إلى أن “إسكوبار الصحراء” تمكن بسرعة من الانتقال “إلى مستوى ثان من العمل باستغلال معرفته بالصحراء في تجارة المخدرات، حيث بدأ في استعمال الطائرات الصغيرة لنقل الكوكايين في البداية من أمريكا اللاتينية إلى الغرب الإفريقي، وساحل العاج والسينغال وغينيا بيساو والسيراليون”، كما تمكن “من تحويل كميات من هذه المخدرات سواء برا عبر مالي والنيجر والجزائر وليبيا ومصر، أو بحرا عبر السواحل المغربية ثم أوروبا، ويصبح بذلك بسرعة من أكبر تجار المخدرات في القارة”. وتضيف المجلة في تقريرها أن التجارة الدولية للمخدرات فتحت أعين “إسكوبار الصحراء” على العالم وبدأ يعيش حياة الأثرياء، تزوج بابنة مسؤول عسكري بوليفي كبير، وربط علاقات مع النساء في كل بلدان عمله، يقال إن له ابنا في كل بلد، ووسع ممتلكاته بشراء جزيرة خاصة في غينيا وشققا في البرازيل وروسيا وأراضي في بوليفيا.
“إسكوبار الصحراء” تمكن بسرعة من الانتقال إلى مستوى ثان من العمل باستغلال معرفته بالصحراء في تجارة المخدرات، حيث بدأ في استعمال الطائرات الصغيرة لنقل الكوكايين في البداية من أمريكا اللاتينية إلى الغرب الإفريقي
وحسب “جون أفريك”، فإن توسيع قائمة الممتلكات قادت “إسكوبار الصحراء” إلى المغرب ليشتري “فيلا في الدار البيضاء وشققا في مسقط رأس أمه وجدة، وحصة في فندق فاخر في إسبانيا، وقرر أن يدرس وحصل على شهادة من جامعة بريطانية.”
وكان دخول بارون المخدرات المالي إلى المغرب عبر اقتناء عقارات فيه، بداية تقاربه سنة 2010 مع منتخب في جهة الشرق وآخرين في الشمال والوسط وبالتحديد الدار البيضاء، وحسب المجلة فإن هذا التقارب كان الهدف منه “توزيع القنب الهندي، ووزع بالفعل كميات تتراوح ما بين 30 و40 طنا في عمليات تتم ما بين ثلاث وأربع مرات سنويا.”
خمس سنوات بعد ذلك، جرى توقيفه في موريتانيا، وقررت محكمة العاصمة نواكشوط عدم الاختصاص، وتلك كانت بداية التوتر مع معارفه المغاربة، الذين اتهمهم بالاستيلاء على ممتلكاته و”تدبير مكيدة له حيث حجزت السلطات المغربية 40 طنا من المخدرات في محطة استراحة في الجديدة، تم شحنها على متن مركبات تابعة لشركة كانت في ملكيته، لكنه باعها لمنتخب الشرق الذي لم يغير البطائق الرمادية للشاحنات، وهو ما قاد المالي للتوقيف فور وصوله للمغرب.”
السياسة والفساد
تداعيات القضية/ الفضيحة، لم تتوقف عند الجانب القانوني بل تعدته إلى السياسي ودخلت “الجمعية المغربية لحماية المال العام”على الخط من خلال تدوينة لرئيسها، محمد الغلوسي، نشرها على صفحته بالفيسبوك، واستعرض فيها آخر المستجدات المتعلقة بقاضي التحقيق الذي أمر “بإيداع سعيد الناصري رئيس فريق الوداد البيضاوي والقيادي بحزب البام (الأصالة والمعاصرة) إلى جانب زميله في ذات الحزب ورئيس جهةٍ الشرق عبد النبي بعيوي وشقيقه الى جانب متهمين آخرين السجن، وذلك على خلفية ملف بارون المخدرات المالي بن ابراهيم والمعتقل منذ مدة بسجن الجديدة.”
تداعيات القضية/ الفضيحة، لم تتوقف عند الجانب القانوني بل تعدته إلى السياسي
ومر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى الحديث عن التداعيات السياسية على حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي ينتمي إليه الناصيري وبعيوي، مؤكدا أن أمينه العام وهو وزير العدل “مدعو إلى جمع المكتب السياسي في خلوة تنظيمية لمناقشة تداعيات هذه القضية الشائكة”.
وبالنسبة للغلوسي، فإن المعتقلين “هم باختصار لصوص كبار (وبانضية) يمشون بيننا نهارا دون عقاب”، مؤكدا أن “قرار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ومعه قاضي التحقيق فضلا عن الأبحاث الجنائية التي انجزتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تشكل خطوة إيجابية ومهمة”.
حزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الحكومة المغربية لم يتأخر في إعلان موقفه الرسمي، مشيرا في بيان له إلى أنه “في انتظار استكمال كافة المعطيات المحيطة بالموضوع، والتي لم يصدر بشأنها لحد الآن، أي بلاغ رسمي من الجهة القضائية المعنية، فإن رئاسة المجلس الوطني، استحضارا منها لرمزية المجلس، وصلاحياته القانونية، وشرعيته التي تجعل المؤسسة الوطنية الأولى بعد المؤتمر الوطني، تؤكد أن المكتب السياسي للحزب، قد سبق له أن أخد علما بتجميد الانتماء الحزبي للمعنيين بالأمر، بعد مباشرة البحث معهما”.
وأوضح بيان الحزب أن قرار “التجميد الذي كانت المبادرة إليه ذاتية وصادرة عن المعنين به، وكانت الغاية من الإجراء المذكور، هو عدم التشويش على مسار البحث، وغاية الحقيقة التي يتوق الوصول إليها، وإبعاد الحزب ومؤسساته عن التصرفات الشخصية لبعض من أعضائه، والمتخذة في سياقات لا تحضر فيها صفتهم الحزبية أو الانتخابية”.
وعبّر الحزب في بيانه عن ثقته في “مهنية وحيادية المؤسسة الأمنية، وفي استقلالية السلطة القضائية”، وعن “احترام قرار القضاء العادل والنزيه، والتقيد بمنطوقه لأنه عنوان الحقيقة، وسيرتب من جانبه الآثار التي يتطلبها”. ولم يفت الحزب الإشارة بصريح العبارة إلى أن “مناضلات ومناضلي الحزب لا يتوفرون على أي امتياز، وأنهم يظلوا قبل كل شيء مواطنات ومواطنين يتمتعون بنفس الحقوق وأداء نفس الواجبات على شاكلة باقي المواطنات والمواطنين، وهو ما يقدم دليلا آخر على أن الحزب ليس ملاذا لأحد ولا يقدم أي حماية ضد إعمال القانون وتنفيذه.”