على مدار 24 يومًا من الحرب التي تشنها قوات الاحتلال على غزة وفرض حصار فوق الحصار وسياسة تجويع على أكثر من مليوني إنسان في القطاع، وقف الأردن ومنذ اليوم الأول متقدِّمًا الصفوف في إرسال المساعدات، وجمع التبرعات في موقف يعتبره الأردنيون واجبا تجاه فلسطين وليت بأيديهم أكثر من ذلك ليقدموه.
وكعادتهم هبَّ الأردنيون لتلبية احتياجات إخوانهم الطبية والغذائية وفي مقدمتهم كان جلالة الملك عبدالله الثَّاني يتقدَّم الصفوف ويوجه بإرسال هذه الاحتياجات بأقصى سرعة، ويضغط بكل قوة على المؤثرين بالقرار الدولي لوقف هذا النَّوع من الحروب والتي لا تجيزها الشَّرائع الدَّولية.
يقول متخصِّصون، إن العدو استخدم في هذه الحرب سلاح التجويع والتعطيش من خلال سلاح التَّجويع والعطش ويقوم بها الاحتلال فرض “حصار كامل” على مدن قطاع غزة وقطع إمدادات الغذاء والمياه والوقود والكهرباء، ضاربة بعرض الحائط تنديد الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الحصار المحرم دوليا التي أكدت أن “سكان غزة يعيشون تحت حصار غير قانوني منذ 16 عاما ولا بد من السماح بتقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للمدنيين الفلسطينيين العالقين الذين لا حول لهم ولا قوة”.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 8 آلاف منذ بدء عدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني في السابع من الشهر الحالي، وبلغ عدد الجرحى أكثر من 22 ألفا، بالإضافة إلى أكثر من مليون ونصف مليون نازح، ونحو 190 ألف وحدة سكنية متضررة، فيما تضررت نحو 200 مدرسة.
النائب السابق هايل الدعجة، قال: كثيرة هي المواقف والوسائل التعبيرية والتضامنية التي يسطرها الأردن بكافة مكوناته وقطاعاته، نصرة ودعما ومساندة للأشقاء الفلسطينيين لتعزيز صمودهم وثباتهم على أرضهم في مواجهة الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة وبكافة الأساليب العدوانية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي ضد الأهل في فلسطين.
وأضاف، يبرز التناغم في المواقف الأردنية بين القيادة والشعب متماهيا مع الثوابت الوطنية والقومية والعروبية الأردنية والتعاطي مع القضية الفلسطينية كقضية وطنية استراتيجية من خلال الأدوار التي تخوضها الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك عربيا وإقليميا ودوليا نصرة للحقوق الفلسطينية المشروعة؛ لإبقاء الزخم السياسي العالمي لها ولتبقى دائما وأبدا في ذاكرة المجتمع الدولي وعلى أجنداته وأولوياته الى أن يستعيد الشعب الفلسطيني هذه الحقوق وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على أساس حل الدولتين ووفقا للقرارات والمرجعيات الدولية.
وأشار الدعجة إلى حرص جلالة الملك الدائم على توجيه الحكومات الأردنية المتعاقبة لتوفير المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية للأشفاء الفلسطينيين تعزيزا لصمودهم في أرضهم، وهو ما حرص عليه الشعب الأردني أيضا، أفرادا ومؤسسات وشركات في مختلف القطاعات من خلال التبرعات المالية والعينية التي تعكس المسؤولية الوطنية الاجتماعية والإنسانية تجاه الأشقاء بموازاة التحرك الدبلوماسي على كافة المستويات لتعرية وفضح المجازر الوحشية والدموية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة على مرأى من دول العالم من خلال استهداف المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين، وهدم الأبنية السكنية على ساكنيها، واستهداف المستشفيات والطواقم الطبية والتمريضية وسيارات الإسعاف وكوادر الدفاع المدني والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات والبنية التحتية، وقطع المياه والكهرباء ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
ومن أجل مواجهة هذه الانتهاكات والانتقائية في تطبيق القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف، أوضح جلالة الملك الموقف الأردني من الأحداث الجارية من خلال تأكيده على الأولويات الأردنية التي تتمثل بالوقف الفوري للحرب على غزة، وحماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والإغاثية، والرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين باعتباره خطاً أحمر.
أستاذ الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور عبدالله ربابعة، قال، إن ديننا الحنيف حثَّ على الصدقة والتبرع والمبادرة بأعمال الخير؛ لقوله تعالى “مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ”، مؤكدا أن نصرة الأهل يعتبر من باب الوجوب الشرعي، وينبغي أن يكون التبرع منضبطًا وتحت إدارة مؤسسات رسمية موثوقة؛ كي لا تذهب تلك التبرعات لغير مستحقيها ولتفويت الفرصة على المتكسبين.
وقال، إن الدعم المالي سواء أكان نقدا أم عينًا من طرود غذائية ودوائية؛ يعتبر معينًا ومساعدًا لأهل غزة في مقاومتهم للعدوان الإسرائيلي الغاشم الذي لم يفرق بين طفل أو امرأة أو مقاتل، لافتا إلى أنه ينبغي إقران الدعم المادي بالدعاء لله عز وجل أن ينصر المسلمين المستضعفين.
أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي قال: إن التبرعات والمساعدات تعبر عن تضامن ووقفة أبناء المجتمع الأردني مع أهلهم وإخوانهم في غزة؛ لمواجهة هذا العدوان الآثم، وفي هذا الظرف الذي يواجهونه، وتساعدهم على صمودهم في أرضهم وتمسكهم بوطنهم وعدم الخروج والهجرة من وطنهم مهما كانت الأسباب.
وبين أن التبرعات تعد رسالة صريحة إلى الأهل في غزة مفادها “بأننا معكم وندعمكم متضامنين ومساندين لكم في قضاياكم، ونحن معكم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالأردن كعهده في الوقوف في مثل هذه الأزمات.
ولفت إلى أن التبرعات والمساعدات تعبر عن روح المشاركة الفعالة والتضامن مع أبناء الشعب العربي في فلسطين خاصة في غزة، وتبث رسائل بأن مواقفنا السياسية، ثابتة في دعم صمود الأهل في وطنهم وعدم تهجيرهم وتعبر عن وقفتنا مع الأشقاء.
أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية الدكتور حسين الشبلي، قال، إنَّ الأردن من أوائل الدول التي بادرت لتقديم المساعدات لأهل غزة، مشيرا إلى دور الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية وجهودها المتواصلة منذ عام 2008 كونها الجهة الوحيدة المخولة بجمع وإرسال المساعدات إلى فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة تخفيفا عنهم ودعما لصمودهم.
وأضاف، وصلت المساعدات التي تم إرسالها الى قطاع غزة إلى يومنا هذا إلى نحو أكثر من نصف مليون طن من المواد الإغاثية والطبية والغذائية، إضافة إلى تنفيذ عدد كبير من المشاريع الإغاثية من كفالات الأيتام، وتركيب الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل لفاقدي الأطراف.
وأشار إلى أن الهيئة تنسق مع الجهات الرسمية العاملة في قطاع غزة، وتجري دراسات حالة، وتقدم مقترحات للجهات المانحة، وجمع التبرعات والدعم المالي للأهل في غزة، كونها الجسر الذي يصل ما بين المتبرع والأهل في غزة.
وبين أنه فتحت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية باب استقبال التبرعات لحملة “لأهلنا في غزة” من خلال الحساب البنكي و “كليك” والمحافظ الالكترونية، وتم إقامة (تيليثون) بالتعاون مع التلفزيون الأردني، وإقامة أيام مفتوحة ودعوات من خلال الإعلام والاجتماعات والزيارات والمؤتمرات للتبرع دعما لصمود أهلنا في غزة.
وأشار إلى أن قيمة التبرعات العينية والمادية منذ بداية الحملة وصلت إلى 12,573,257 دينار، وتستمر الهيئة في استقبال التبرعات من كافة الجهات الراغبة في مد يد العون وتلبية الاحتياجات الواردة من قطاع غزة، بحسب الشبلي.
الخبيرة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني، قالت، يعد تقديم المساعدات للمتضررين في أوقات النزاع من مبادئ التكافل والتضامن الإنساني ومن القيم الإنسانية المشتركة التي كرست عبر التاريخ وتمت قوننتها في التشريعات الدولية خاصة في القانون الدولي الإنساني وتحديدا اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين حيث أكدت مضامينها على وجوب تسهيل الممرات الإنسانيّة لإدخال المساعدات الطبية والإغاثية وتوفير احتياجات السكان.
وأكدت أن عرقلة جهود الإغاثة تعتبر مخالفةً للمادة (23) من اتفاقية جنيف الرابعة التي أكدت إلزامية مرور جميع الأدوية والمهمات الطبية، وكذلك الأغذية والملابس وغيرها، مع التأكيد أن توفير هذه المستلزمات هي من مقتضيات الكرامة الإنسانية.
وأشارت إلى أن الدور الأردني في تطبيق هذه المبادئ الدولية المتعلقة وتقديم المساعدات الإنسانية، يعد رائدًا وسباقا حيث بادر الأردن منذ بدايات العدوان الآثم على قطاع غزة بتجهيز قوافل مساعدات، واستمرت جهود الأردن في السياق ذاته على المستوى الأممي من خلال المبادرة التي تقدم بها والتي أثمرت عن القرار الهام الذي صدر بتاريخ 26 تشرين الأول، والذي تضمن بندا خاصا يتعلق بتوفير السلع والخدمات للمدنيين على الفور وبشكل مستمر ودون عوائق بما في ذلك الماء والغذاء واللوازم الطبية والوقود والكهرباء.