كان يسافر بهوية منتحلة، وتفاجأ أثناء عودته إلى مكان إقامته بفندق “ذا ديبلومات” بمنطقة سليمة في مالطا، بأحدهم يناديه باسمه الحقيقي، استدار تلقائيا، فانطلق الرصاص وأصابه في مقتل.
روايات صحفية كشفت عن تفاصيل عملية الاغتيال الكبيرة والمعقدة، ولم تختلف إلا في بعض التفاصيل الصغيرة.
قبل أن يدوي الرصاص في ذلك اليوم في منطقة “سليمة” الواقعة على سواحل مالطا الشمالية الشرقية، وصل على جزيرة مالطا رجلان في رحلة متأخرة، دُعيا في رواية للصحفي البريطاني جوردون توماس في صحيفة “التلغراف” باسمي غيل وران. كانا يحملان جوازي سفر جديدين استلماهما في روما وأثينا من عملاء آخرين.
الرجلان الغامضان “غيل” و”ران”، استقرا هما أيضا في فندق “ذا ديبلومات”، فيما قام عميل محلي آخر كان يمتلك وكالة لتأجير السيارات بتسليم ران دراجة نارية من طراز “ياماها”، والأخير بدوره أبلغ موظفي الفندق بأنه يعتزم استخدامها في رحلة حول الجزيرة.
في تلك الأثناء طلبت سفينة شحن قادمة من حيفا من سلطات الموانئ المالطية الإذن بالرسو قبالة الجزيرة لإجراء إصلاحات في محرك معطوب.
فريق متخصص في الاتصالات تابع لجهاز الموساد كان على متن السفينة، أرسل تعليمات إلى العميلين بواسطة منظومة راديو مشفرة، وكان العميل غيل يحتفظ بجهاز الاستقبال في حقيبته.
العميلان غيل وران انطلقا بالدراجة النارية يوم 26 أكتوبر عام 1995، وتوقفا حين شاهدا “الهدف” يسير بمهل قرب المرسى في طريق عودته إلى الفندق.
فجأة ظهر شخص في بنطلون جينز وقميص أسود أمام الرجل الغريب الذي كان يحمل جواز سفر ليبي باسم الدكتور إبراهيم علي شاويش. ناداه باسمه الحقيقي فيما كان يمضي في حال سبيله، فتلفت إليه، حينها تأكد العميل من شخصية الرجل ومد نحوه مسدسا مزودا بكاتم للصوت وبجهاز لالتقاط الظروف الفارغة، وأطلق خمس رصاصات اثنتان في الصدر، وثلاث بمؤخرة الرأس، ثم قفز إلى المقعد الخلفي للدراجة النارية التي انطلقت بسرعة واختفت عن الأنظار.
رجال الشرطة المالطيون هرعوا إلى مكان الجريمة، ولم يعثروا على أي أدلة ولا أغلفة رصاص، ولا آثار، فيما لم يتم الحصول من العدد القليل من الشهود إلا على روايات متناقضة.
الدراجة النارية التي استخدمت في الجريمة عثر عليها مهجورة وخالية من أي بصمات، وقيل إنها سرقت قبل أسبوع، في حين اتضح لاحقا أن مواطنا فرنسيا أحضرها بالعبّارة من جزيرة صقلية الإيطالية.
لم تتمكن أجهزة الأمن في مالطا على الفور من معرفة هوية الضحية، وبعد يوم وبرواية أخرى بعد 3 أيام، اتضح أنه نزيل الغرفة رقم 616 في فندق “ذا ديبلومات”، وأن اسمه الحقيقي فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وأمينها العام.
الشقاقي كان سافر إلى ليبيا من مالطا بواسطة عبارة بسبب حظر السفر الذي كان في ذلك الوقت مفروضا على ليبيا على خلفية طائرة لوكربي، وبعد أن اجتمع بالقذافي في طرابلس، عاد بعبارة بحرية إلى مالطا في طريق عودته إلى مقر إقامته في سوريا.
عائلة فتحي الشقافي كانت تقطن بلدة زارنوكا بالقرب من يافا قبل أن تضطر في عام 1984 إلى النزوح إلى قطاع غزة، حيث ولد فتحي هناك في رفح عام 1951.
تحقيقات الشرطة المالطية توصلت إلى استنتاج وحيد مفاده أن عملية القتل نفذت بطريقة احترافية وكانت دقيقة للغاية. الجناة وصلوا إلى الجزيرة قبل أسبوع من التنفيذ، واختفوا على الفور، ولم يتركوا أي أثر.
اللافت أيضا أن الشرطة المالطية تعتقد أيضا أن بعض الشهود شتتوا انتباهها برواياتهم، وأبعدوها عن الطريق الصحيح.
أما التقارير الصحفية فقد ذكرت بالتفصيل العملية، وأشارت إلى أن مجموعة تنتمي لوحدة “كيدون” وتعني رأس الرمح، التابعة لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي “الموساد”، قامت بتنفيذ الاغتيال بمساندة وحدة العمليات الخاصة “شايطيت 13” التابعة للبحرية الإسرائيلية.
التقارير أفادت كذلك بأن المدير العام للموساد في ذلك الوقت شبتاي شافيت كان على ظهر السفينة التي رست قبالة الجزيرة، ومن هناك قاد العملية بنفسه، لكن كما هي العادة، رسميا لا يوجد ما يربط الموساد بهذا الاغتيال.