ناشد مواطنون يعانون من أمراض مزمنة أدت إلى فشل عضوي، بتعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء بعد حالات الوفاة الدماغية، وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة، لإنقاذهم من مأساتهم.
وطالب مرضى وأطباء متخصصون بإنشاء مركز وطني يعنى بنقل وزراعة الأعضاء، كمثيله من المراكز الوطنية الأردنية الأخرى المتخصصة، بحسب بترا.
ويستغيث والد رند الصهيبة 18 عاما التي تعاني من مرض التهاب كبد مناعي أصابها قبل سبع سنوات، لإيقاف معاناة ابنته قائلا “أدخلنا المرض في دوامة من الإرهاق والتعب النفسي والجسدي، وأنهى أحلام ابنتي في إكمال دراستها، وهي تصارع المرض بين مواعيد زيارة الطبيب ومواعيد تناول الدواء، والخوف عليها من مداهمة نوبات الألم الشديدة التي لم تفارقها ليلة”.
“لا علاج لإنقاذ حياة رند إلا بالتبرع ” هذا ما يؤكده والدها، ويضيف أن ابنته أصبحت بحاجة ماسة حسب رأي الأطباء إلى متبرع ينقذ حياتها بعد أن أصيب كبدها بالتشمع، وتعذر على أفراد عائلتها التبرع لها لعدم تطابق الفحوصات المخبرية والأشعة.
فيما تخضع الطفلة هبة 12 عاما، لثلاث جلسات غسيل كلى أسبوعيا في مستشفى الأمير حمزة، تستغرق كل جلسة منها 4 ساعات، لعدم توفر متبرعين يتطابق مع فصيلة الدم من عائلتها، فيما يؤكد الأطباء أنها معرضة لخطر إصابتها بأمراض أخرى، إذا لم يتم زراعة كلية تساعد في التقليل من مُعاناة غسيل الكلى.
وعلى مدار عشر سنوات يضطر الشاب أنس عدوي 33 عاما، لغسل كليته بعد أن هاجمها فيروس، ويبين وهو على سرير الشفاء أنه “بسبب وجود وصلات شريانية وريدية في ذراعي خسرت عملي، إذ منعتني من الاستمرار بنفس العمل، ودفعتني إلى البحث عن آخر بجهد أقل”.
ويسعى عدوي إلى إطلاق مبادرة لتعزيز “ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة الدماغية” والتوعية بأهميتها لعلاج مرضى على أسرة الشفاء، مطالبا بأن يكون هنالك جهة تعنى بزراعة الأعضاء، شبيهة بمراكز أخرى مثل مرضى السكري والسرطان.
في حين، تقول الطفلة إخلاص مريان 17 عاما، إنها حصلت على كلية من متبرع توفى دماغيا عام 2021، بعد معاناة 7 سنوات من الفشل الكلوي، اختزلت حياتها في وحدات غسيل الكلى والنوم.
وتضيف “لم أتوقع أن أعيش حياة طبيعية لكن شخصا أكرمني بوصيته، فتغيرت حياتي من مريضة إلى طفلة طبيعية، تخالط من هم بعمرها وتلعب معهم وتنافسهم بالدراسة”.
تؤكد إخلاص أن فرحة عائلتها لا يمكن وصفها عندما تلقت مكالمة هاتفية من مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء للقدوم فورا لإجراء الفحوصات المخبرية لإمكانية التطابق مع الشخص المتوفي دماغيا، فخلال ساعات أجريت الفحوص وتبين التطابق، فدخلت إلى غرفة العمليات لزراعة الكلى في مستشفى الأمير حمزة لتنهي قصة معاناة بدأت معها منذ ولادتها.
وتضيف أنها ولدت وهي مصابة بضمور بالكليتين كأطفال كثر يعانون نفس المرض، فعاشت حياة مريرة بين وحدات غسيل الكلى، إلا أن كل تلك المرارات انتهت بعد أن تبرع شخص لها . وتؤكد أهمية تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء في حالة الوفاة الدماغية ليستفيد أطفال متألمون من الفشل الكلوي، مهددون بفقدان الحياة.
أما الشاب محمد خليفة، الذي حصل على قلب فتاة في عملية أجريت له في الخدمات الطبية الملكية عام 2018، يقول “قلبي كان يعمل 10 بالمئة من قدرته الطبيعية، فكنت أشعر بتعب وضيق تنفس طوال الوقت، وتتجمع سوائل حول الرئتين، لذلك كانت حياتي مهددة بأي غضب أو انفعال، لكن الخطر زال بعد موافقة ذوي فتاة توفاها الله دماغيا على التبرع بأعضائها”.
وأضاف أن الطبيب المسؤول أخبر عائلة الفتاة أنها وصلت إلى مرحلة الوفاة الدماغية، واقترح عليهم التبرع بأعضائها، فرحبت العائلة بالفكرة واعتبرتها صدقة جارية لتكمل مسيرة العطاء لديهم، ليتم بذلك زراعة قلب للشاب خليفة الذي كان ضمن قوائم الانتظار.
“أهل الفتاة وشقيقتها وهم توأمان، أصبحوا عائلتي الثانية، وباتت تربطني بهم علاقة قوية” يؤكد خليفة، ويضيف إنه أصبح يشعر بحزن أو فرح شقيقة الفتاة وكأنها توأمه، داعيا إلى التبرع بالأعضاء بعد الوفاة الدماغية لمنح حياة جديدة لمرضى كثر ينتظرون هذه اللفتة الإنسانية.
“التبرع بأعضاء ابني لم يكن سهلا” يؤكد أديب عكروش، الذي وافق على التبرع بأعضاء ابنه وليام الذي توفي دماغيا بعمر 17 عاما.
ويضيف “لكني اتخذت هذا القرار لتبقى أعضاء وليام حية في أجساد الآخرين التي عانت من آلام وأمراض كثير” معبرا عن سعادته الغامرة بأنه استفاد من أعضاء ابنه العديد من المرضى، لوجه الله تعالى، وصدقة جارية عنه.
الدكتور أنور النويري، الذي شغل مدير مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء قبل تحويلها إلى وحدة في الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة بداية العام الحالي، يؤكد أن التبرع بالأعضاء وزراعتها ضرورة وطنية ملحة، خاصة في ظل ارتفاع أعداد مرضى الكلى والقلب والكبد والرئة ومرضى تلف القرنية.
ويضيف، يخضع التبرع بالأعضاء لتشريعات دليل الإجراءات الذي اعتمد عام 2015، بعد إقراره من وزارة الصحة آنذاك، حيث ينظم عملية التبرع ونقل وزراعة الأعضاء من الأشخاص الأحياء وفي حالات الوفاة الدماغية بالمملكة، وتعد المديرية الجهة المخولة في أي إجراء يتعلق بالتبرع وزراعة الأعضاء من الأحياء لبعضهما حسب القانون، أو من قبل حالات الوفاة الدماغية لمرضى ضمن قوائم الانتظار.
ولفت إلى أن القوانين تمنع الحصول على أي جزء من الأعضاء مقابل المال، إذ يعتبر ذلك متاجرة بالأعضاء، وهو ممنوع قانوناً وشرعاً.
وكشف أن مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء لديها سجلات مرضى على قائمة الانتظار الوطنية لا يوجد لهم متبرعون وهم موزعون على 436 مريضا لزراعة الكلى، و52 حالة لزراعة الكبد، و9 حالات لزراعة القلب، إضافة إلى مريضين بحاجة إلى رئتين.
وأوضح أن الوفيات الدماغية التي أبُلغ عنها من قبل أقسام العناية الحثيثة في المستشفيات كافة، بلغت 147 حالة منذ عام 2016 وحتى آب 2022، حيث لم يستفد منهم سوى 5 حالات بعد موافقة ذويهم على التبرع، ومن هذه الحالات الخمس زرع للمرضى 10 كلى، وقلبان، و4 مرضى استفادوا من زراعة الكبد، بالتنسيق مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء مع مستشفى البشير ومستشفى الأمير حمزة والخدمات الطبية الملكية.
وحسب سجلات المديرية، يبلغ عدد بطاقات التوصية بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة 12371 بطاقة، وما زال القائمون على المديرية الملغاة من هيكلة وزارة الصحة يستقبلون ويصدرون بطاقات التوصية للتبرع بالأعضاء، حيث يستطيع كل شخص الاتصال بالمديرية أو أي ضابط ارتباط في المحافظات للتوصية بالتبرع بالأعضاء في حال الوفاة أو في حالة الوفاة الدماغية.
إلى ذلك، دعا رئيس اختصاص الكلى في وزارة الصحة الدكتور خالد زايد، إلى تعزيز ثقافة التبرع بالكلى والأعضاء، ما يعفي 50 بالمئة من المرضى من عمليات غسيل الكلى وعددهم يفوق 5 الآف مريض، وجعلهم أشخاصا أكثر فاعلية في المجتمع، وتخفض النفقات المترتبة على عملية الغسيل التي تصل إلى ألف دينار شهريا لكل مريض بمجموع حوالي 30 مليون دينار سنويا في مستشفيات وزارة الصحة.
ويؤكد الدكتور زايد، ضرورة وجود لجنة فنية متخصصة بزراعة الأعضاء أو مركز وطني لزراعة الأعضاء، يضم جميع الجهات الصحية في المملكة من خدمات طبية، ووزارة صحة، ومستشفيات جامعية، لتسهم في التوعية بأهمية زراعة الأعضاء لمرضى من حالات وفاة دماغية أو من أحياء لأحياء، وتجري عمليات نقل وزراعة الأعضاء بمهنية عالية تخفيفا من معاناة المرضى.
ودعا الطبيب الأردني أخصائي جراحة زراعة الأعضاء وعضو جمعية الأطباء الأردنيين في الولايات المتحدة الأميركية بادي الرواشدة، إلى العمل الجاد مع الجهات المسؤولة عن الملف الصحي لتكثيف الجهود وزيادة أعداد المتبرعين بالأعضاء بعد الوفاة الدماغية، بما يساهم في تخفيف معاناة المرضى، والتقليل من تكلفة العلاج، والتوعية بالتبرع.
إلا أن الدكتور الرواشدة أكد أن هذا لن يتم دون تعديل التشريعات الناظمة بما يخص “إجبارية التبليغ عن الحالات الوفاة الدماغية في أقسام العناية الحثيثة في جميع مستشفيات المملكة، بالإضافة إلى تطوير مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء لتصبح مركزا وطنيا يضم جميع الجهات الصحية”، لافتا إلى أن حالة وفاة دماغية يمكن أن تنقذ 5 إلى 8 مرضى، إذ يستفاد من الكليتين والرئتين والكبد والقلب والقرنيات والبنكرياس.
مدير إدارة التأمين الصحي الدكتور نائل العدوان، وفي رده على سؤال لـ”بترا” حول تكلفة غسيل مرضى الكلى للمؤمنين مدنيا، قال “يوجد 4139 مريض غسيل كلى على حساب وزارة الصحة، منهم 1351 مريضا يتم تحويلهم إلى المستشفيات الخاصة، و796 مريضا في المستشفيات الخاصة المستأجرة لصالح وزارة الصحة، مبينا أن كل مريض في مستشفيات القطاع الخاص يكلف التأمين الصحي ألف دينار شهريا.
أمّا فيما يخص الجانب الديني، فأكد أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور بسام العموش، أن هناك ضوابط أقرّها الشرع في حالات التبرع بالأعضاء من مرضى الموت الدماغي، أهمها التأكد من أن المريض لن يعود للحياة نهائيّاً من الناحية الطبية وذلك في حالة تعطّل جذع الدماغ، بالإضافة إلى أخذ إذن ذوي المتبرّع.
وبين أن التبرع بالأعضاء بعد حالات الوفاة الدماغية المؤكدة يعتبر جائزا شرعا، وبه أجر للمتوفي ويعد صدقة جارية عنه، وأن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة من أكثر الصدقات كرما.
يشار إلى أن أول عملية زراعة كلية في الأردن أجريت عام 1972، بينما أجريت أول عملية لزراعة قلب عام 1985، وقرنية عام 1979، في حين أجريت عملية زراعة قلب ورئتين معا عام 1997، وأول عمليتين لزراعة الكبد عام 2004.