قبل نحو 6 سنوات قرر 3 سيدات أردنيات بمنطقة أم قيس بمحافظة إربد شمالي البلاد أن يتحملن مسؤولية إحياء فن صناعة القش (القشيات) والحفاظ على تلك الحرفة التراثية، التي باتت في عداد النسيان.
كانت البداية عندما التحقت كل من تهاني ونور (42 عاما) وأسيل (34 عاما)، عام 2017 ببرنامج تدريبي مع إحدى المنظمات الدولية وبالتعاون مع إحدى الجامعات الأوروبية، يهدف إلى إعادة ترميم سقوف المنازل التراثية المصنوعة من القصب.
لكن تطور الأمر معهن وأصبحن فيما بعد، رائدات في حرفة صناعة القش، ووجهة للباحثين عن الإبداع في مركز زوار مدينة أم قيس الأثرية، التابع للجمعية الملكية لحماية الطبيعة (مستقلة).
ومن داخل المركز التقينا بالسيدات الأردنيات المتواجدات في مكان عملهن لساعات طويلة من اليوم، للإطلاع على قصتهن والوقوف على أسباب نجاحهن.
وكانت السيدات تتسابقن من أجل الحديث عن تجربتهن مع تلك الحرفة، إذ تكمل كل واحدة منهن كلام الأخرى، كأنهن يردن التأكيد على فخرهن واعتزازهن بما وصلن إليه.
ووصفت السيدات أنفسهن بأنهن “الوحيدات بالأردن من يعملن على جميع الخامات”، في إشارة واضحة إلى تنوع المواد التي يستخدمنها في حرفتهن.
وقالت إحداهن إن الفكرة بدأت عام 2017، بعد التحاقهن ببرنامج تدريبي لإعادة ترميم سقوف البيوت التراثية، مدته 40 يوما.
وخلال حصولهن على التدريبات اللازمة في مجال ترميم الأسقف التراثية، اقترحت إحدى المشاركات استكمال المدة المتبقية من البرنامج التدريبي، بالعمل في لحاء (قشور) الموز.
ولإتمام تلك المهمة، استعانت السيدات بمدربة خاصة من منطقة مجاورة لهن، متخصصة في استخدام لحاء الموز كمادة خام.
وقلن بعد انتهاء الفترة التدريبية، منحنا مجموعة من الباحثين الألمان من جامعة هامبورغ عام 2018 فرصة تخصيص إحدى غرف المركز (حيث عقد البرنامج التدريبي) لمساعدتهن في الاستمرار في العمل الحرفي”.
وأوضحن: “كنا حينها 9 سيدات، قبل أن ينتهي بنا الحال إلى 3 فقط، حيث تركت النساء الأخريات المشروع لغياب المردود المالي”.
*استمرارية من أجل خدمة المجتمع
استمرت السيدات في تطوير عملهن، إيمانا منهن بأن تلك الحرفة هي “ميراث الآباء والأجداد وإحدى طرق خدمة المجتمع”.
وأشرن إلى أن ما دعم استمراريتهن أن منطقتهن تشتهر بزراعة القمح، لذا أدخلن على الحرفة، أعواد قش القمح والذي يسمى “القصل”، وأعواد الحلفة أو ما يعرف بـ”البوط”، وهي نباتات بحرية تنمو على أطراف الينابيع والسدود.
وأوضحن كان هدفنا منذ البداية بأن نكون سيدات منتجات، ونقدم ما يخدم مجتمعنا”.
وأردفت تهاني: “كل مكان له هوية تميزه عن غيره، ومنطقتنا هنا تتميز بقصل القمح، وليس بالضرورة أن يكون لك طاولة ومكتب حتى يكون لك وظيفة، هذه الحرفة على الرغم من صعوبتها لكنها ممتعة”.
أما أسيل، التي تحمل شهادة جامعية في ترميم التراث، فاعتبرت أن تعليمها لم يؤمن لها الوظيفة التي كانت تطمح إليها، لذا فضلت العمل الحرفي.
وقالت: “أكملت دراستي الجامعية، ولكن لم أحصل على فرص عمل، وعندما تعلمت هذه الحرفة مع نور وتهاني، تمكنت من تأمين عمل”.
فيما تحدثت نور عن عملية الإنتاج ذاتها، مؤكدة أن الوصول إلى الهدف، يخفف من حدة المجهود والتعب.
وأضافت: “تحتاج المنتجات لوقت طويل حتى يتم إنجازها، والحقيقة أنه عندما أراها بصورتها النهائية، أنسى كل التعب”.
أما عن كمية الانتاج، قالت السيدات إن الإنتاج الشهري لكل واحدة منهن يتراوح ما بين 50 و 60 قطعة، بعضها يحتاج لساعات عمل وبعضها لأيام.
وأشرن إلى أن منتجاتهن تتنوع بين “الأطباق و السلال، والمقاعد والطاولات”، وأن الأسعار بالنسبة للقطعة الواحدة تتراوح ما بين 60 و 150 دينارا (84 و 211 دولارا)”.
* غياب الدعم
ودللن على قلة الدعم المقدم لهن بقولهم: “بيتر أستاذ زائر من ألمانيا، أعطانا من جيبه الخاص مبلغا ماليا لشراء مكيف هواء”.
وكشفن على أن السائح الأجنبي هو الذي يولي اهتماما بهن، إضافة إلى بعض أصحاب الذوق الرفيع والباحثين عن إضافة لمسات جمالية لمنازلهم.
وبأسلوب ينم عن فخرهن، كشفت السيدات عن عقد دورات تدريبية في حرفة صناعة القش، لعدد من السياح الأجانب.
وتقع مدينة “أم قيس” على بعد 28 كيلو مترا من محافظة إربد شمالي الأردن، وتعود جذورها التاريخية للحقبة اليونانية باعتبارها من مدن الحلف الروماني (ضم 10 مدن في بدايته)، فيما لقبت “أم قيس” بمدينة الحكماء والفلاسفة كما اشتهرت في ذلك الزمن بالعديد من الشعراء.
وأعطى الموقع الجغرافي المميز لهذه المدينة أهمية كبيرة، إذ أنها تطل على نهر اليرموك وهضبة الجولان وبحيرة طبريا.