هلا نيوز
زادت المخاوف من تفاقم أزمة المياه الملوثة في المناطق المنكوبة بليبيا وانتشار الأمراض الناتجة عنها بعد تصريحات عن ارتفاع عدد حالات التلوث بمياه الشرب في درنة إلى 150 حالة، إثر الفيضانات التي تسبب بها إعصار دانيال الذي ضرب المنطقة، الأسبوع الماضي.
وقال مدير عام المركز الوطني الليبي لمكافحة الأمراض، حيدر السائح، السبت، في منشور على فيسبوك، “ما رأيناه هنا صعب جدا جدا” مضيفا أن الهاجس الأكبر للهيئة التي يرأسها هو وضعية المنكوبين جراء هذه الفيضانات، والتي تسببت في حالات تسمم بسبب المياه الملوثة.
وقال: “بالأمس سجلنا 55 حالة إسهال واليوم ارتفع العدد ليصل إلى 150” مضيفا “قلنا مرارا إنه غير مسموح استهلاك مياه الشرب العادية الموجودة في المدينة (درنة)”.
وخلال اجتماعه برئيس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، قال السائح في مداخلة بالفيديو من درنة، إن الوضع الوبائي في المدينة يعد مستقرا، وإن الفرق الميدانية التابعة للمركز نجحت في تقليل عدد الإصابات بالتسمم ونبهت أهالي المناطق المنكوبة والنازحين بالابتعاد عن مياه الآبار واستهلاك المياه المعلبة.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر في بيان، الجمعة، أن تواجد الجثث بالقرب من مصادر المياه أو داخلها يمكن أن يؤدي إلى مخاوف صحية، إذ قد يتسرب من الجثث البراز، ما يلوث مصادر المياه، وبالتالي يؤدي إلى خطر الإصابة بالإسهال أو غيره من الأمراض.
وأوضحت أنه يمكن أيضا أن تنتشر عدوى الجهاز الهضمي نتيجة لتلوث إمدادات المياه بالجثث.
لكن المنظمة أوصت السلطات، في الوقت ذاته، بتجنب الإسراع في دفن الجثث في مقابر جماعية، وذلك بعد أن عبرت السلطات المحلية عن خشيتها من انتشار الأوبئة.
تحذيرات وتطمينات
من جانبه، قال وزير الصحة بالحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب الليبي، عثمان عبد الجليل، إن “الوزارة لم تتأكد من دقة عدد الحالات المصابة حتى الآن”، وأضاف أنه “سيتواصل مع مدير عام المركز الوطني الليبي لمكافحة الأمراض”.
وأوضح الوزير أن “الوضع حتى الآن لا يزال تحت السيطرة”، مشيرا إلى أن “الإصابات التي عاينوها لم تكن تسمما بالمعنى الحرفي، بل حالات إعياء وإجهاد صحي نتيجة شرب المياه الجوفية بالتحديد”.
وأضاف أن “أغلب الإصابات كانت بين الأطفال”، مؤكدا أن “ما يحدث أمر طبيعي ومعتاد في مثل هذه الكوارث، ولا يوجد ما يثير الذعر بشأن أمراض مزمنة أو أوبئة”.
وتحدث عبد الجليل عن متابعة الوزارة للأوضاع الصحية في درنة بعد الكارثة، وتواصلها الدائم مع المركز الوطني الليبي لمكافحة الأمراض لبحث المستجدات والمخاطر.
وأشار الوزير الليبي إلى أن الوزارة والعاملين بها أطلقوا تحذيرات متكررة للأهالي بتجنب شرب المياه الجوفية تحديدا التي من المؤكد أنها أصبحت ملوثة حاليا”.
وتحدث الوزير عن إجراءات احترازية واستباقية للسيطرة على الأزمة، قائلا إن “الوزارة بدأت معاينة جميع مصادر المياه في درنة”، مكررا تحذيره للمواطنين بالابتعاد عن المياه الملوثة.
وأعلن الفريق الحكومي للطوارئ والاستجابة السريعة، السبت، أن فريقا من الشرطة البيئية أخذ عينات من المياه في مدينة درنة وفي انتظار نتائج التحاليل، كما تم إرسال 550 عنصرا طبيا إلى شرق ليبيا، .
خطورة شرب المياه الملوثة
ومن جانبه، قال الطبيب بمنظمة الصحة العالمية، أسامة عبد الشافي، إن استخدام واستهلاك المياه الملوثة قد يؤدي إلى الموت، ويمكن أن يفسر ذلك سبب وفاة ملايين الأشخاص بسبب الأمراض المنقولة بالمياه كل عام بحسب ما ترصده منظمة الصحة العالمية.
وأضاف أنه يمكن تصنيف المياه الملوثة إلى فئتين وفقا لسبب التلوث: الميكروبات والمواد الكيميائية. غالبا ما تسبب الميكروبات (البكتيريا والطفيليات) تأثيرات فورية على البشر. من ناحية أخرى، يمكن للمواد الكيميائية التي تتسرب من المنشآت الصناعية والزراعية، (خاصة المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والزئبق) أن تتراكم في أعضائنا الداخلية مع مرور الوقت.
وأوضح أن الوضع في ليبيا بعد الكارثة المأساوية يعتبر شديد الخطورة فيما يتعلق بالمياه الملوثة والتي من المتوقع أن تكون مصادر تلوثها الأساسية هي النفايات البشرية والحيوانية ومياه الصرف التي اختلطت بالمياه الجوفية ومياه الشرب بعد الإعصار.
وأشار عبد الشافي إلى أنه بعد الأعاصير والفيضانات، عادة ما يحدث تلوث المياه عندما تتسرب مسببات الأمراض، مثل النيتروجين والفوسفور، من المناطق الحضرية والسكنية والزراعية إلى المياه السطحية والجوفية والساحلية.
وقال إنه يمكن أيضا أن تتلوث مياه الشرب من خلال تسرب المواد الكيميائية والمعادن الثقيلة من المصانع.
وأضاف أنه توجد العديد من الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه بسبب تلوثها، والتي قد تؤدى في بعض الحالات إلى الوفاة، منها داء السالمونيلا الذي يصاب الأشخاص به عادة بعد تناول طعام أو شرب مياه ملوثة بالبراز، و”التهاب الكبد أ” وهو مرض شديد العدوى، وداء الكريبتوسبوريديوسيس، المعروف أيضا باسم “تشفير”، هو عدوى تستهدف الأمعاء، بالإضافة إلى التيفوئيد وهي عدوى بكتيرية تهدد الحياة وتتميز بتقرح معوي حاد وعدوى، والكوليرا التي إذا لم يتم علاجها بشكل صحيح أو في الوقت المناسب يمكن أن تسبب الوفاة.
وتابع الطبيب قائلا إن مياه الشرب الملوثة بالمواد الكيميائية مثل ميثيل ثالثي بوتيل إيثر (MTBE) والمذيبات المكلورة تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان عندما يستهلك الشخص المياه من هذه المصادر.
واستكمل أن المياه الملوثة قد تؤدي إلى التسمم بالرصاص الذي يهدد الحياة، لأنه يمكن أن يدخل الرصاص إلى مياه الشرب من خلال الأنابيب القديمة واللحامات أو من خلال تصريف المواد الكيميائية السامة في شبكات المياه.
وحذر الطبيب من خطورة إهمال وضع المياه في ليبيا، وأكد أن “يجب تضافر الجهود العالمية لمساعدة ليبيا تحديدا في مسألة معالجة المياه وتوفير بدائل آمنة بأقصى سرعة حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة التي قد ينتج عنها المزيد من الضحايا والوفيات”.
توصيات وإرشادات
أوصت منظمة الصحة العالمية بأنه يجب أن تكون المقابر على بعد 30 مترا على الأقل من مصادر المياه الجوفية المستخدمة لمياه الشرب، كما يجب أن تكون أرضيات القبور على الأقل 1.5 متر فوق منسوب المياه الجوفية.
وذكر موقع “المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها” (سي دي سي) أنه يمكن أن تؤدي الفيضانات والكوارث الأخرى إلى إتلاف وتلوث آبار مياه الشرب من خلال فضلات الماشية، ومياه الصرف الصحي البشرية، والمواد الكيميائية، وغيرها من الملوثات التي يمكن أن تؤدي إلى المرض عند استخدامها للشرب والاستحمام أو أي نشاط آخر.
كما أوضح أنه من المرجح أن تكون الآبار المحفورة التي يقل عمقها عن 50 قدما ملوثة، حتى لو لم يكن الضرر واضحا.
لذلك أوصى أنه من الآمن شرب المياه المعبأة في زجاجات للتأكد من أنها خالية من الملوثات وآمنة للشرب. وفي حال عدم توفر زجاجات المياه، يمكن جعل الماء آمنا عن طريق غليه لمدة لا تقل عن ثلاث دقائق، أو إضافة المطهرات الموصى بها، أو التصفية باستخدام المرشحات.
ونوه إلى أنه يمكن للعديد من مرشحات المياه المحمولة إزالة الطفيليات المسببة للأمراض مثل الكريبتوسبوريديوم والغارديا من مياه الشرب. وإذا كنت تختار مرشح مياه محمول، فحاول اختيار مرشح يكون حجم مسام الفلتر فيه صغيرا بما يكفي لإزالة البكتيريا والطفيليات (أي أن يكون حجم المسام الواحد 1 ميكرون أو أقل).