تستضيف السعودية، وفداً حوثياً، لمناقشة عملية السلام في اليمن، بعد 9 سنوات من اندلاع الحرب في البلد الفقير، في أول زيارة علنية للحوثيين إلى المملكة الخليجية منذ تدخّلها على رأس تحالف عسكري لمقاتلة الجماعة الموالية لإيران.
وذكرت قناة “الإخبارية” السعودية الحكومية مساء الخميس، أنّ السعودية تستضيف “وفداً مفاوضاً يمثّل المكوّن اليمني الحوثي، وذلك بهدف استكمال المباحثات الرامية لإيجاد حلّ سياسي ووقف شامل لإطلاق النار والانتقال من مرحلة النزاعات إلى الاستقرار”.
وكالة الأنباء السعودية (واس) قالت إنّ الرياض “وجّهت دعوة إلى وفد من صنعاء لزيارة المملكة لاستكمال (…) اللقاءات والنقاشات”.
وكان مسؤول في مطار العاصمة الخاضعة لسيطرة الحوثيين قال في وقت سابق لوكالة فرانس، إنّ طائرة عُمانية نقلت “وفدا حوثيا يضم عشرة أشخاص بالإضافة إلى خمسة عُمانيين” من صنعاء إلى الرياض، فيما أفاد مسؤول حوثي بأنّ “مدة الزيارة خمسة أيام”.
وهذه أول زيارة علنية لوفد من الحوثيين إلى السعودية منذ أن أطلقت حملة عسكرية على رأس تحالف لوقف تقدم الجماعة المتحالفة مع إيران في 2015.
وتأتي هذه الزيارة بعد قرابة 5 أشهر على زيارة قام بها وفد سعودي إلى صنعاء لبحث عملية السلام.
واليمن غارق في حرب على السلطة بين الحوثيين والحكومة منذ منتصف العام 2014، تسبّبت بمقتل وإصابة مئات الآلاف، وبأسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وتؤدي سلطنة عُمان دور الوسيط في النزاع.
وفي وقت سابق الخميس، أفادت وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي تتحدث باسم سلطات العاصمة اليمنية، إنّ الوفد العُماني زار صنعاء يرافقه المتحدث الرسمي باسم الحوثيين وعضو الفريق المفاوض محمد عبد السلام المقيم في السلطنة، قبل توجّهه إلى السعودية.
ونقلت عن رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، قوله خلال لقاء مع الوفد العُماني قبل إقلاع الطائرة، إنّه “استجابة لوساطة سلطنة عُمان الشقيقة سيتوجه الوفد الوطني برفقة الوفد العُماني إلى الرياض لاستكمال المشاورات مع الجانب السعودي”.
وتابع “السلام كان ولا يزال خيارنا الأول والذي يجب العمل عليه من قبل الجميع”.
وكان مسؤول في الحكومة اليمنية مطّلع على فحوى المحادثات بين الحوثيين والسعودية، أبلغ فرانس برس الخميس، بأنّ الغاية من الزيارة “عقد جولة مفاوضات مع السعودية والتوصّل إلى اتفاق نهائي بشأن تفاصيل الملفين الإنساني والاقتصادي”.
وتابع أنّ المحادثات تتركّز على مسألة تسديد رواتب موظفي حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً عن طريق السلطة، وهي نقطة شائكة، وتدشين وجهات جديدة من مطار صنعاء الذي ظلّ مغلقاً لسنوات قبل أن يسمح التحالف العام الماضي بفتح أجوائه للطائرات إلى الأردن ومصر.
الصيغة النهائية
من جهتها، أفادت مصادر سياسية في صنعاء أنه من المتوقع كذلك أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين “الصيغة النهائية” لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، على أن يباشر أطراف النزاع بعد ذلك التفاوض مباشرة للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة وبدعم من السعودية وعُمان.
وقد أنعشت زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء في نيسان، والتقارب الأخير بين الرياض وطهران، الآمال بالتوصل إلى حلّ سياسي للنزاع الدامي في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية.
وقال رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي لفرانس برس، إن زيارة الوفد الحوثي السعودية “أشبه بنقل العلاقة بين الحوثيين والسعودية من الغرف الخلفية إلى صالة المنزل، أي شرعنة هذه العلاقة ومنحها دفعاً إضافيا”.
وتابع “على الصعيد السياسي، هي خطوة متقدمة لإنهاء الدور المباشر للسعودية في اليمن وإقرار الحوثيين بدورها كوسيط”.
من جهته، اعتبر دبلوماسي في الرياض أنّ الحوثيين جاءوا إلى السعودية “من أجل اتفاق تسوية مباشر مع السعوديين يُكسبهم اعترافاً دولياً”.
وتراجعت حدة القتال في اليمن بشكل ملحوظ بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيّز التنفيذ في نيسان 2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في تشرين الأول 2022.
لكن الأزمة الإنسانية في البلد الفقير لا تزال تتفاقم، مع تراجع المساعدات الإنسانية بسبب نقص التمويل.
والخميس، طالبت 98 جهة دولية ومحلية بينها منظمات تابعة للأمم المتحدة بزيادة التمويل لمواصلة مساعدة “أكثر من 21.6 مليون شخص، أي 75% من سكان اليمن”.
وأشارت هذه الجهات في بيان مشترك، إلى أنّ “17 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي” في اليمن، وهذا العدد يشمل 6.1 ملايين شخص دخلوا بالفعل “مرحلة خطيرة في نقص الغذاء وسوء التغذية الحاد”.
ورغم حجم هذه الاحتياجات الإنسانية، فإنّه حتى آب 2023، لم تكن خطة الاستجابة الإنسانية قد تلقّت سوى “31.2% من إجمالي الاحتياجات البالغة 4.34 مليارات دولار” للعام 2023، مما أدى إلى “تخفيضات جذرية ومثيرة للقلق في المساعدات”، وفقا للبيان.
إلى جانب ذلك، حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخّرا، من أنّ اليمن بات يعاني أحد أعلى معدلات التلوث بالألغام وغيرها من المتفجّرات من مخلّفات الحرب في العالم، بعد تسع سنوات من بدء النزاع في البلاد.