صُدِمَت إيطاليا بقرار روبرتو مانشيني الاستقالة من تدريب المنتخب الوطني الذي قاده إلى إحراز كأس أوروبا 2020، لكن الأمور لم تنته عند هذا الحد، إذ تبع هذه الخطوة بالتوقيع الأحد للإشراف على المنتخب السعودي لأربعة أعوام.
أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم الأحد عن تعيين الإيطالي روبرتو مانشيني مدرباً للمنتخب الوطني الأول، وقال الاتحاد السعودي في حسابه على منصة “اكس” (تويتر سابقاً): “شريطٌ من الذكريات تبدأ بعده رحلة كتابة التاريخ مع الأخضر”.
قرّر مانشيني الاستقالة في 13 آب/أغسطس الحالي من المنصب الذي استلمه في أيار/مايو 2018، في وقت هام جداً للمنتخب الإيطالي الذي يخوض مباراتين في تصفيات كأس أوروبا 2024 ضد مقدونيا الشمالية التي تسبّبت بحرمانه خوض مونديال 2022، في 10 أيلول/سبتمبر وضد أوكرانيا بعدها بيومين.
تحدّثت بعض وسائل الإعلام عن معاناة شخصية لابن الـ58 عاماً نتيجة فقدانه شخصين عزيزين جداً عليه بعد خسارتهما معركتهما مع مرض السرطان، هما زميلاه السابقان في سمبدوريا رئيس بعثة المنتخب جانلوكا فيالي والصربي سينيشا ميهايلوفيتش.
لكن السبب في الاستقالة التي جاءت بعد أيام معدودة على تعيينه منسقا لمختلف منتخبات الشباب الإيطالية أيضاً، وهو الدور الذي كان من المفترض أن يمنحه مزيداً من السلطة في تكوين المواهب، كان في غير مكان تماماً بعدما تبين لاحقاً توصله إلى اتفاق مع الاتحاد السعودي للإشراف على “الأخضر” الذي كان من دون مدرب منذ رحيل الفرنسي هيرفيه رونار في آذار/مارس للإشراف على منتخب بلاده للسيدات في مونديال 2023.
“كتابة التاريخ مع الأخضر”
وقال الاتحاد السعودي الأحد في حسابه على منصة “اكس” (تويتر سابقاً): “شريط من الذكريات تبدأ بعده رحلة كتابة التاريخ مع الأخضر”.
وبث حساب الاتحاد السعودي فيديو تقديميا للمدرب الجديد للمنتخب، ظهر من خلاله مانشيني يختار ربطة العنق باللون الاخضر وهو لون قميص المنتخب السعودي.
وقال مانشيني “صنعت التاريخ في أوروبا والآن جئت لصناعة التاريخ في السعودية”.
ورأى الاتحاد السعودي في بيانه أن “التعيين يؤكد حقبة جديدة من نمو المنتخب السعودي ويمثل علامة فارقة جديدة في مسيرة مانشيني المتميزة”.
ونقل البيان عن مانشيني قوله “يشرفني جداً أن أنال مدرب المنتخب الوطني السعودي. أعتقد أن هذه فرصة عظيمة بالنسبة لي لتجربة كرة القدم في بلد جديد، لاسيما مع تزايد شعبية كرة القدم في آسيا”.
وتابع “إن وجود لاعبين من أعلى المستويات في الدوري السعودي للمحترفين يشير إلى إمكانية النمو في مشهد كرة القدم الوطنية”.
استقالة مانشيني الذي حل بدلاً منه لوتشانو سباليتي، شكّل خيبة كبيرة للإيطاليين، لكنهم لن ينسوا الإنجاز الذي حققه في صيف 2021 حين فاجأ الجميع بقيادة “أتزوري” إلى الفوز بكأس أوروبا على حساب إنجلترا بالفوز عليها بركلات الترجيح في معقلها “ويمبلي”.
ونجح مانشيني في تحويل عبء الغياب الكارثي لإيطاليا عن مونديال روسيا 2018 إلى نجاح كبير أنساها كارثة 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، حين تعرّض المنتخب لنكسة تاريخية بتعادله مع نظيره السويدي بدون أهداف في ملحق التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018، وأقصي عن المشاركة في المونديال.
منتخب إيطاليا الذي عاش بعدها فترة وجيزة من الضياع، وتنبأ له الكثيرون أن كبوته ستطول وأن العودة لن تكون قريبة، لاسيما وأنه لم تكن هناك بشائر تلوح في الأفق عن وجود جيل جديد يعوّض ذلك الذي فاز بلقب كأس العالم 2006، نهض وتأهل إلى كأس أوروبا ثم فاجأ الجميع بإحراز اللقب.
استيقظت ايطاليا على وقع غيابها عن كأس العالم للمرة الأولى منذ 1958، تاركة وراءها أربعة ألقاب عالمية، وأجيالا من اللاعبين الذين أبهروا ملايين عشاق كرة القدم.
أعاد المدرب مانشيني تشكيل المنتخب بسرعة بعد الغياب الكارثي عن البطولة العالمية، محققاً معه رقماً قياسياً بعدد المباريات المتتالية من دون هزيمة (37).
قال مانشيني قبل الإنجاز الأوروبي “كانت فكرتي الأساس أن نحقق النجاح في مونديال 2022، لكن يمكننا القيام بذلك في أوروبا 2020”.
كابوس كأس العالم يتكرر
لكن أسوأ المتشائمين لم يتوقع أن يتكرر كابوس الغياب عن المونديال وعاد شبح جان بييرو فنتورا، مهندس النكبة الأولى، ليصدم الإيطاليين بعدما فشل مانشيني في قيادة المنتخب إلى نهائيات مونديال قطر 2022 بالخسارة في نصف نهائي الملحق الأوروبي أمام مقدونيا الشمالية 0-1 في إيطاليا، بعدما اضطر المنتخب لخوض الملحق بحلوله ثانياً في مجموعته خلف سويسرا.
غادر مانشيني المنتخب وفي سجله 39 انتصاراً و13 تعادلاً وتسع هزائم، في مشوار سجل خلاله “أتزوري” 130 هدفاً فيما اهتزت شباكه 49 مرة.
لكن ذلك لا يمحي الصورة التي ظهر بها المنتخب تحت إشراف مانشيني في الكثير من المباريات، إذ قدّم كرة قدم حديثة أعتمد فيها مدرب لاتسيو وإنتر ومانشستر سيتي الإنجليزي السابق على العناصر الشابة.
ما فعله مانشيني منذ استلامه لمهامه في 14 أيار/مايو 2018، يُعد أكثر من إنجاز، بعدما حوّله من منتخب اعتبره الكثيرون يحتضر، لمنتخب مليء بالحياة والإصرار والـ”غرينتا” التي لطالما كانت سمة الزرق.
جاء مانشيني بفكر جديد، أراد من خلاله بناء منتخب لمستقبل وليس لبطولة، باعتماده على تشكيلة شابة على غرار فيديريكو كييزا ونيكولو باريلا.
ويأمل السعوديون الذين سيطروا على المشهد الكروي هذا الصيف بسبب الانتقالات المدوية التي شملت لاعبين مثل البرازيلي نيمار والفرنسي كريم بنزيمة والجزائري رياض محرز، أن يطبق الإيطالي هذه الفلسفة مع منتخبهم.
ويبدأ “الأخضر” مشواره التنافسي مع مدربه الجديد بمباراتين في تشرين الثاني/نوفمبر ضمن تصفيات آسيا المؤهلة لمونديال 2026، قبل خوض الاستحقاق الأكبر المتمثل بنهائيات كأس آسيا المقررة في قطر بين 12 كانون الثاني/يناير و10 شباط/فبراير المقبلين.
وتلعب السعودية في المجموعة السادسة التي تضم عُمان وقرغيزستان وتايلاند.
وسيكون الظهور الأول للمدرب الإيطالي مع المنتخب السعودي في الثامن من أيلول/سبتمبر أمام كوستاريكا في المباراة الودية التي ستقام على ملعب “ساينت جيمس بارك” في نيوكاسل.
أ ف ب