هلا نيوز
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” مقالا لسايمون تيسدال، قال فيه إن الرئيس الأمريكي جو بايدن واهم في اعتقاده أنه قادر على تسجيل ثلاثة أهداف دفعة واحدة، سلام إسرائيلي- سعودي، اختراق في الموضوع الفلسطيني، وتفاهم بشأن إيران، والسبب هو أن “القرن الأمريكي قد مضى بلا عودة”.
وقال الكاتب: “أمر غريب، تلك الطريقة التي يتراجع فيها التأثير الأمريكي بالشرق الأوسط، وهو يسير على نفس طريق تراجع الإمبراطورية البريطانية في المنطقة نفسها، ويبدو الأمر كما لو أن دول المنطقة بعدما تخلت عن إمبراطورية متغطرسة ترفض واحدة أخرى. وببطء، تؤكد الأنظمة الديكتاتورية والحاكمة استقلاليتها، بعضها بطريقة ديمقراطية والمعظم بدون ذلك. وفي الوقت نفسه، تتقرب من حلفاء جدد. ويعكس هذا تحولا أساسيا باتجاه عالم متعدد الأقطاب، لا تهيمن عليه قوة واحدة”.
ففي السعودية والإمارات، هناك عملية لبناء هوية وطنية متجانسة لإظهار القوة في الخارج عبر النفوذ المالي والنفط والرياضة. واعتمادا على الموقع الإستراتيجي، فإن البلدين وغيرهما من دول المنطقة، ترفضان وضع المحمية الغربية الممنوح من الولايات المتحدة، وقبلها بريطانيا.
وفي إسرائيل، يخوض القوميون اليهود والمتطرفون الدينيون معركة من أجل تحديد مستقبل الدولة في تحدٍ لأماني واشنطن، بشكل يعيد للذاكرة الأيام العنيفة في نهاية الانتداب البريطاني.
ونظرا لمعرفته بالكوارث الأمريكية المروعة، والقلق على مسار الحرب في أوكرانيا والخوف من الصين، فقد تجنب الرئيس بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض عام 2021، الأزمات المستمرة في الضفة الغربية ولبنان والعراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان. ولا يزال وعده الوحيد في الشرق الأوسط، بإحياء الاتفاقية النووية التي دمرها سلفه دونالد ترامب، غير متحقق.
وفي عام 1956، أدى غزو السويس إلى تقويض بريطانيا كقوة مهيمنة على المنطقة، والسؤال هو: “هل تقترب أمريكا التي لم تعد لها صلة بالمنطقة، إلى نقطة تحول كالسويس؟”.
ليس مستغربا أن يكون جواب بايدن بـ”لا”، نظرا لإيمانه بالتفوق الأمريكي، ولهذا قرر البحث عن خطة طموحة لإعادة القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك بهدف مواجهة تأثير موسكو وبكين، ولتذكير الحلفاء المحليين غير الملتزمين الذين تقوم أمريكا بحماية أمنهم وازدهارهم.
ولكي يؤكد الموقف، أرسل بايدن 3000 جندي إضافي إلى الخليج هذا الشهر، لردع إيران على ما يبدو، ولكي يُظهر أنه السيد. ولا يمكن تجنب الحسابات السياسية، فبايدن يحضّر لحملة إعادة انتخابه، ولهذا يأمل أن يسجل الهدف الثلاثي غير المحتمل.
والمكافأة هي الدبلوماسية المساوية للعرش الثلاثي: فالولايات المتحدة تعمل على تفاهم مع إيران، وسلام تاريخي بين السعودية وإسرائيل، واختراق على صعيد الدولة الفلسطينية.
ويقول الكاتب، خذ مثلا إيران، فالمحادثات في قطر التي أدت للإفراج عن السجناء الأمريكيين مقابل 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة، حققت تقدما مهما هذا الشهر. ويناقش الطرفان، إمكانية لوقف الدعم الإيراني لروسيا في مجال المسيرات القتالية. وزعم أن الهدف النهائي هو صفقة ثنائية غير رسمية تقوم من خلالها إيران بوقف البرامج النووية والأسلحة، مقابل رفع كل العقوبات، وهو ما تطمح إليه الحكومة الإيرانية غير الشعبية والمحاصرة اقتصاديا، والمحادثات مستمرة.
أما الحلقة الثانية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، تتعلق بعدو إيران القديم، السعودية. فقد انزعجت واشنطن من الوساطة الصينية بين طهران والرياض، والتعاون المتزايد من طرف المملكة مع روسيا. ويريد بايدن عودة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى المسار، وتأمين اتفاق على طريقة اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل. وهو يلوّح بمعاهدة أمنية، ودعم أمريكي لمفاعل نووي مدني الطابع في السعودية، قد يطابق المشروع النووي الإيراني رغم مخاوف من انتشار الأسلحة النووية. وهذا التفكير يثير قلقا في إسرائيل، لكن جواب بايدن “ليس مشكلة”. وستشمل الصفقة السعودية- الإسرائيلية على ضمانات أمنية وأسلحة متقدمة للطرفين، وستترك أثرا إضافيا من ناحية تهميش الصين.
وتساءل الكاتب عن السبب الذي يدعو الولايات المتحدة للدفاع عن السعودية، خاصة بعد تعهد بايدن أثناء الحملة الانتخابية عام 2020 بجعل السعودية منبوذة، والسبب واضح، وهو أن التطبيع سيكون انتصارا دبلوماسيا كبيرا قبل الانتخابات، خاصة إن رُبط بالمرحلة الثالثة، وهي دعم الدولة الفلسطينية.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المحاصر في الداخل، يريد اتفاقية بشكل ملحّ، وكذلك السعوديون. إلا أن هؤلاء يصرون -على الورق- على تحقيق تقدم ملموس على المسار الفلسطيني.
والتحالف المتطرف مع نتنياهو لن يوافق على التنازلات، وهو يتحدث بالكاد مع بايدن، ويخطط في تشرين الأول/ أكتوبر لزيارة الصين لإزعاج الرئيس الأمريكي.
ومع ذلك، يعتقد بايدن أنه قادر على تحقيق اتفاق مع إسرائيل لتقوية الاقتصاد الفلسطيني ووقف ضم الضفة الغربية، وإحياء إجراءات حل الدولتين، مقابل إقناع السعودية، ونزع أنياب إيران، وتقديم ضمانات أمنية للجميع.
وتبدو أهداف بايدن الثلاثة واهمة، فهناك عوامل محلية سلبية تقف أمامه. ومثل بقية العالم، فقادة المنطقة الذين يحاولون البحث عن مصالحهم، يتساءلون عن إمكانية استمراره في الحكم، وهل سيحل ترامب مكانه.
ويقول الكاتب إن ما نراه اليوم هو أن عصر القوة العظمى و”الدولة التي لا غنى عنها” يقترب من نهايته. ربما يحاول بايدن أن يعمل ما بوسعه للحفاظ على النظام القديم، لكن مثل العصر الإمبريالي البريطاني الضائع، فإن “القرن الأمريكي” يتلاشى بسرعة إلى كتب التاريخ.