هلا نيوز – مشرق ريسان
لم يُفصح المسؤولون في العراق عن أيّة معلومات بشأن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اختطاف مواطنة إسرائيلية في العراق، قال إنها تُدعى إليزابيت تسوركوف، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام جملة تساؤلات تتعلق بمصيرها ودوافع وجودها في العراق، وسط تحذيرات من ردّه فعل إسرائيلية مرتقبة تطال الفصائل الشيعية المسلحة، المتهمة بالضلوع في اختطافها، وفقاً للرواية الإسرائيلية.
وأعلن مكتب نتنياهو نهاية الأسبوع الماضي أنّ «إليزابيت تسوركوف، المواطنة الإسرائيلية-الروسية التي اختفت قبل بضعة أشهر في العراق، محتجزة لدى كتائب حزب الله». وأضاف أنّ «إليزابيت تسوركوف على قيد الحياة ونحن نحمّل العراق المسؤولية عن سلامتها».
وحسب البيان فإن تسوركوف توجهت إلى العراق «بجواز سفرها الروسي وبمبادرة منها لإعداد دكتوراه وأبحاث أكاديمية نيابة عن جامعة برينستون في الولايات المتحدة».
وحسب مصدر في الاستخبارات العراقية فقد اختطفت تسوركوف في بغداد «مطلع شهر رمضان» الذي بدأ هذا العام في 23 آذار/مارس.
ووصلت الباحثة الأكاديمية إلى بغداد «مطلع كانون الثاني/يناير 2022» حسب ما قال دبلوماسي غربي في العراق لـ«فرانس برس» طالباً عدم ذكر اسمه.
وتعود آخر «تغريدة» لتسوركوف إلى 21 آذار/مارس وقد شاركت فيها مقالاً أعدته لمعهد نيو لاينز للأبحاث ومقرّه الولايات المتحدة.
وقال مصدر في الاستخبارات العراقية إن تسوركوف «خُطفت بينما كانت تغادر مقهى في حي الكرادة بالعاصمة العراقية».
وطبقاً لمعلومات حصلت عليها الوكالة الفرنسية من المصدر نفسه على مقطع فيديو سجلته كاميرا مراقبة في المقهى تظهر فيه شابة تغادر برفقة رجل.
وحسب المصدر فإن المرأة التي ظهرت في التسجيل «هي تسوركوف والرجل الذي رافقها هو الخاطف».
ولم تتمكن الوكالة من التحقق بشكل مستقل من صحة الفيديو، كما لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن اختطاف المرأة حتى الآن.
وفي أواخر أيار/مايو قال عضو في الاستخبارات العراقية إنه تلقى تعليمات من رؤسائه «بوقف التحقيق في اختفاء تسوركوف».
وقالت وزارة الخارجية الروسية في أواخر نيسان/أبريل «للأسف في هذه اللحظة ليس لدى السفارتين الروسيتين في العراق وإيران أي معلومات عن مكان إليزابيت تسوركوف».
وأضافت الوزارة أنها لم تتلق أي «معلومات عن اختطافها المرجح في العراق».
وقال شهود عيان عرفوها إن تسوركوف «كانت تتنقل بحرية في بغداد».
وكانت الباحثة نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى اتصال بالعديد من الصحافيين والباحثين في مختلف أنحاء المنطقة.
وتقول على موقعها الشخصي على الإنترنت إنها تتحدث الإنكليزية والعبرية والروسية والعربية.
ويضيف موقعها على الإنترنت أنها زميلة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة، وزميلة بحث في منتدى التفكير الإقليمي، وهو مؤسسة فكرية إسرائيلية-فلسطينية مقرّها القدس.
وكتبت أن أبحاثها تدفعها الرغبة في «فهم ونقل» آراء وخبرات الناس في الشرق الأوسط.
كما أرادت «تسليط الضوء على الانتهاكات التي ترتكبها جهات فاعلة قوية، سواء أكانت أنظمة دكتاتورية أو جماعات مسلحة أو دول أجنبية تتدخل في المنطقة».
ويرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، في حادثة الاختطاف بأنها توضّح «التطور الهائل» الذي تمتلك الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، التي قررت الانتقال إلى مرحلة «المواجهة المباشرة» مع إسرائيل، غير إنه حذّر في الوقت عينه من «ردّة فعل» إسرائيلية مرتقبة.
وقال البيدر إن الحادث «يحمل العديد من المؤشرات والدلالات الخطيرة والمهمة على مستوى درجة التصعيد لدى الجماعات المسلحة في العراق والتي تعرّف نفسها بمحور المقاومة؛ من جهة، وبين الجانب الإسرائيلي؛ من جهة ثانية» وفيما اعتبر أن «المواجهة أصبحت مباشرة بين الطرفين»،أشار إلى إن «التصعيد بدأ يأخذ زخماً أعلى».
وأوضح أن الفصائل المسلحة في العراق «تمتلك إمكانات وقدرات هائلة جعلتها تصل إلى مستوى القدرة على تحديد هويات وتفاصيل الأشخاص وعناوينهم، الأمر الذي يرجّح بعمليات أخرى أكثر نوعية».
وطبقاً للبيدر فإن «العراق كدولة سيتحمل تبعات هذه الخطوة (خطف الإسرائيلية) وعلى الحكومة التعامل بحذر في هذا الموضوع، كوننا غير قادرين على تحمّل ردود الفعل التي ستجري، إذ لا أستبعد أن تكون هناك ضربات إسرائيلية منتخبة لأهداف داخل العمّق العراقي، وفي هذه الحالة فإن العراق سيعرض نفسه للكثير من الضرر على المستويين المادي والمعنوي أيضاً».
لكن في مقابل ذلك تساءل البيدر «عما تفعله إسرائيلية في العراق؟ وهل إنها تقوم بفعل مدني كالسياحة أو العمل مع منظمات دولية؟» معتبراً أن تواجدها «أمر مثير للريبة والقلق من وجود نشاط في هذا الجانب».
وأضاف: «في جميع تلك التفاصيل، نرى غياباً واضحاً للدولة، وهو مؤشر على أن تلك الجماعات (في إشارة إلى جهات تابعة لإسرائيل) تمتلك مساحة كبيرة من الحركة والحرية ونوعية المعلومات والإمكانات التي تمتلكها لمواجهة أطراف ترى بأنها عدوّة لها».
في مقابل ذلك يرى البيدر أن الجماعات المسلحة في العراق «تريد أن تكون حاضرة في القضية الفلسطينية وتثبت إنها جديرة بمواجهة الإسرائيليين، وإن وجودها لا يقتصر على الدور المعنوي عبر رسائل الاستنكار وشعارات التهديد» داعياً تلك الجماعات إلى «الحيطة والحذر من ردود فعل إسرائيلية محتملة، رغم أن التجارب السابقة تشير إلى ذهاب إسرائيل نحو طريق المفاوضات للحصول على رعاياها المختطفين».
ولم يستبعد المحلل السياسي العراقي أن تقود عملية الاختطاف إلى «تصعيد منظّم سواء داخل الأراضي العراقية أو المنطقة» مرجّحاً في الوقت عينه أن «يكون التصعيد المرتقب على حساب السيادة العراقية التي يجب أن تكون خطّاً أحمر بالنسبة للدولة ومؤسساتها».
وفي الوقت الذي توعّدت كتائب «حزب الله» في العراق بالتقصي عن مصير «المُختطفة» شددت على وجوب معرفة المزيد عن نوايا الإسرائيليين ومن يقوم بتسهيل تحركاتهم في بلد يحظر ويجرم التعامل معهم. جاء ذلك في «تدوينة» للمسؤول الأمني «للكتائب» أبو علي العسكري، ذكر فيها أن «اعتراف رئيس وزراء الكيان الصهيوني بوجود عنصر أمني إسرائيلي أسير في العراق هو مؤشر خطير للغاية يجب الوقوف عنده والتعامل معه بدقة وحزم وعلى الأجهزة الأمنية المختصة كشف الشبكات المرتبطة بهذا الكيان وتقديمها للعدالة».
وأضاف: «بدورنا سنبذل جهداً مضاعفاً للوقوف على مصير (الأسير أو الأسرى) الصهاينة في العراق خدمة للمصالح العامة ولمعرفة المزيد عن نوايا تلك العصابة الإجرامية ومن يقوم بتسهيل تحركاتهم في بلد يحظر ويجرم التعامل معهم».
ودعا العسكري أيضاً الحكومة العراقية إلى «استثمار الفرصة التي أعطتها فصائل المقاومة لإخراج قوات الاحتلال البغيض وعليهم أن يتيقنوا أن التهديد باستئناف العمليات العسكرية لا عودة عنه. وللأسف نقول إننا لم نلمس الجدية المطلوبة منهم فما زال المحتل يتدخل بشكل سلبي وسافر في المجال الأمن والعسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي للبلد».
وعقب أقل من 24 ساعة على «التغريدة» خرج المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، في أول تصريح بشأن الحادثة، مشيراً إلى «فتح تحقيق» رسمي.
وأضاف في لقاء تلفزيوني، «بما أن هذه القضية على هذا المستوى ومتداخلة بالتالي لا يوجد أي تصريح رسمي بهذا الخصوص إلى أن تكمل الحكومة العراقية تحقيقاتها الرسمية وتصل إلى نتائج».
وأشار إلى أنه «بعد ذلك إن شاء الله ستكون هناك بيانات أو مواقف رسمية من قبل الحكومة العراقية».
الموقف الحكومي و«تدوينة» العسكري الغامضة، لم تحملان أيّ معلومات بشأن القضية، وما هو مصير المختطفة.
وحسب المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، فإن «هناك العديد من الأمور المبهمة والغامضة في قضية اختطاف المواطنة الإسرائيلية من أصول روسية».
وأضاف أن «مكتب نتنياهو أكد إن المواطنة الإسرائيلية (إليزابيت تسوركوف) اختطفت في بغداد قبل 4 أشهر من طرف ميليشيا عراقية، وأكد إنها لا تزال على قيد الحياة، وهو ما يطرح عدّة أسئلة بشأن لماذا تم الكشف عن الموضوع بعد أربعة أشهر؟ ومن أين يعلم مكتب نتنياهو أنها على قيد الحياة؟».
وطبقاً لتحليل الحكيم فإن «كانت هناك مفاوضات خلف الكواليس خلال مدة الأربعة أشهر الماضية لأطلاق سراح المواطنة الإسرائيلية، غير إنها لم تصل إلى نتيجة، وهذا ما دفع مكتب نتنياهو للكشف عن موضوع الاختطاف».
وتساءل: «لماذا لحد الآن مكتب رئيس الوزراء التزم الصمت ولم يصرح لا ببيان خجول ولا بتصريح حول الموضوع خلال مدة 4 أشهر، ما يدل على أنه كانت هناك مفاوضات خلف الكواليس، وأرادوا لملمة الموضوع بعيدا عن الإعلام، لكن بعد فشل المفاوضات أعلنوا الموضوع».
وعن دوافع الاختطاف، رجّح الحكيم محاولة «حصول الجهات الخاطفة على المزيد من المكاسب قبل إطلاق سراحها» مشيراً إلى إنه «في نهاية المطاف ستتفاوض الجماعة المختطفة مع الأمريكان مباشرة نيابة عن الاسرائيليين، بعيدا عن الحكومة (في إشارة إلى حكومة السوداني) وهذا يدل على إن الخاطفين سيطالبون بمزيد من المكاسب والامتيازات مقابل إطلاق سراحها».
ويستند المحلل السياسي العراقي في تحليله على بيان مكتب نتنياهو الذي اتهم كتائب «حزب الله» بالضلوع في حادثة الاختطاف قائلاً: «من أين يعلم أن حزب الله الجهة المختطفة؟ هذا يدل على أن هناك مفاوضات استمرت أربعة أشهر لكن بدون نتيجة مثمرة بين الجهة المختطفة وإسرائيل لإطلاق سراحها، إذن لحد الآن وفي ظل سكوت مطبق من قبل الحكومة».
ورأى أن الحادثة تضع الحكومة الاتحادية «على المحكّ وأمام اختبار حقيقي وستشعل الخلافات بين السوداني والأمريكان من جهة، وكذلك بين السوداني والأطراف الخاطفة من جهة أخرى، ما يستدعي أن يكون هناك موقف قوي وحازم من قبل رئيس الوزراء لكشف الحقائق للرأي العام بشأن من هي الجهات الخاطفة وما الذي جرى خلال أربعة أشهر من المفاوضات، ولماذا خلال هذه المدة لم يكشف الموضوع للرأي العام؟».
وأشار إلى إن اختطاف المواطنة الإسرائيلية يبيّن إن «العراق اصبح ساحة لتصفية الحساب الإقليمية والدولية»، لافتاً إلى إن «هذه ليست المحاولة الأولى لدخول إسرائيليين إلى العراق، وكما هو معروف فإنه بسبب الساسة العراقيين الفاسدين والخلافات السياسية، أصبح العراق مرتعاً وأرضية خصبة ومناسبة لعمل أجهزة مخابرات أغلب دول العالم».
ودعا الحكيم الحكومة الاتحادية إلى «الكشف عن العديد من الخفايا الغامضة وهل (المُختطفة) عميلة اسرائيلية وتعمل لصالح جهاز المخابرات الاسرائيلية، ام بالفعل هي باحثة علمية واجتماعية، بالإضافة إلى الكشف عن مصيرها»، محذّراً من «نشوء خلاف بين السفارة الأمريكية في العراق ورئيس الوزراء».