هلا نيوز
واشنطن: أثارت محاولة التمرد التي قامت بها مجموعة فاغنر الروسية الخاصة ضد القيادة الروسية، أواخر الشهر الماضي، ردود فعل قوية، لا سيما في الأوساط الغربية التي لطالما كانت تنظر إلى سلطة الرئيس فلاديمير بوتين على أنها راسخة.
لكن هذه الرؤية اهتزت إلى حد ما، وسط ما تردد عن اقتراب المجموعة العسكرية الخاصة من العاصمة الروسية، قبل أن تتراجع بوساطة من بيلاروس.
ليس هناك شك في أن الرئيس الروسي قد تضرر بشدة بسبب الأحداث الأخيرة، وهو الوضع الذي يوفر للولايات المتحدة فرصة ذهبية لاستغلال ضعف روسيا.
ويقول الباحث البريطاني كون كوفلن، محلل شؤون الدفاع لدى صحيفة “ديلي تليغراف”، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إنه في الظروف العادية، قد ينظر صناع السياسة في الولايات المتحدة إلى “الإذلال” الذي عانى منه الرئيس الروسي في أعقاب التمرد الذي جرى إجهاضه ضد إدارته باعتباره فرصة لاستغلال ضعف الكرملين.
ويضيف كوفلن، أحد كبار زملاء معهد جيتستون البارزين، أنه، رغم كل شئ، لا تزال روسيا تمتلك أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم، وقد أشار بوتين في عدة مناسبات، بشكل محدد، إلى احتمال لجوء موسكو إلى استخدامها عندما حذر من مخاطر التدخل الأمريكي في الصراع بأوكرانيا.
ولذلك، وفي مثل هذه الظروف، من الواضح أن من مصلحة واشنطن الاستفادة من الاضطرابات السياسية التي تجتاح الكرملين في أعقاب تمرد قائد مجموعة فاغنر الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، والذي أجهض.
كان بريغوجين (62 عاماً) يعتبر في السابق حليفاً مقرباً من الرئيس الروسي، وكان بوتين هو الذي أذن شخصياً بإنشاء فاغنر، في عام 2014، حتى يكون له جيشه الخاص تحت تصرفه لمتابعة طموحاته الإقليمية في أوروبا وخارجها.
ويرى كوفلن أن انتقاد بريغوجين المرير على نحو متزايد لتعامل الكرملين مع الحرب في أوكرانيا، والذي أسفر عن قراره بشن تمرده الذي لم يدم طويلاً، قد وجّه في الواقع صفعة مدوية لبوتين، فضحت أسطورة صورته كرجل روسيا القوي.
وفي حين أن مستقبل روسيا يمر بمنعطف حرج، لم يظهر بوتين، مع كثرة الشائعات بأنه فر من العاصمة على متن طائرته الخاصة. وبينما أصر مسؤولو الكرملين في وقت لاحق على أن بوتين بقي في موسكو طوال الأزمة، انكشف ضعف موقف الرئيس الروسي بعد أن ترك الأمر لرئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو للتوسط في صفقة، ما أدى إلى موافقة بريغوجين على تنحي قواته مقابل منحه ملاذاً آمناً في بيلاروس.
وفي حين سعى بوتين في وقت لاحق إلى طمأنة الشعب الروسي بأنه لا يزال مسيطراً، خاطب الأمة وهو محاط بكبار مسؤوليه العسكريين والأمنيين. وليس هناك شك في أن الرئيس الروسي قد تضرر بشدة بسبب الأحداث الأخيرة، وهو الوضع الذي يوفر للولايات المتحدة فرصة ذهبية لاستغلال ضعف روسيا.
انتقاد بريغوجين على نحو متزايد لتعامل الكرملين مع الحرب في أوكرانيا وجّه صفعة مدوية لبوتين، فضحت أسطورة صورته كرجل روسيا القوي.
ويقول كوفلن إن إحدى الطرق التي يمكن لإدارة بايدن من خلالها الرد على الاضطرابات في روسيا تتمثل في زيادة دعمها العسكري لأوكرانيا، وبالتالي تمكين القوات الأوكرانية من إلحاق هزيمة كارثية بالمحتلين الروس، وهي نتيجة من شأنها أن تقلل بشدة من قدرة موسكو على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها لعقود قادمة.
ويرى كوفلن أن تسريع عملية السماح لكييف باستلام طائرات مقاتلة طراز “إف 16″، أمريكية الصنع، سيكون نقطة بداية جيدة، بدلاً من الالتزام بالجدول الزمني الحالي، حيث قد يستغرق الأمر عدة أشهر قبل وصول أولى هذه الطائرات إلى أوكرانيا. وبموجب جدول التسليم الحالي، لن تصل أولى هذه الطائرات إلى أوكرانيا قبل أيلول/سبتمبر، على الأقل، وهو الوقت الذي سيقترب فيه الهجوم المضاد الأوكراني الحالي من نهايته.
ويقول الباحث البريطاني إنه، رغم ذلك، “هذه هي طبيعة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تتجنب المخاطرة في التعامل مع الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا في عهد بوتين، لدرجة أن الشاغل الرئيسي للبيت الأبيض مع اندلاع التمرد كان طمأنة الكرملين بأنه لم يلعب أي دور في إثارة الانتفاضة”.
وكما أشار بايدن في تعليقاته الأولى على التمرد، كان همه الرئيسي هو جمع الحلفاء الرئيسيين في مكالمة عبر الفيديو “للتأكد من أننا لم نعط بوتين أي عذر”لإلقاء اللوم على الغرب أو على الناتو (حلف شمال الأطلسي)”.
وكان هناك وقت ربما فضّلت فيه الإدارة الأمريكية، الملتزمة بتوفير زعامة فعالة على المسرح العالمي، أن تترك الكرملين يتكهن بالطبيعة الدقيقة للتهديد الذي يواجهه، مما يزيد من حالة الارتباك، بدلاً من السعي إلى تهدئة مخاوفه من التدخل الأمريكي.
وبحسب كوفلن، يتسق مثل هذا السلوك من جانب إدارة بايدن تماماً مع سياسة واشنطن المتمثلة في تجنب المواجهة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني توفير الطمأنينة للقادة “المستبدين” مثل بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون وملالي إيران، غالباً في وقت حاجتهم.
وهذا هو هوس البيت الأبيض بتجنب التدخل الأمريكي المباشر في أي نوع من الصراع العالمي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، لدرجة أن الموقف الافتراضي لبايدن عندما يواجه أي أزمة كبرى، سواء كانت تتعلق بالعدوان الصيني المحتمل على تايوان، أو جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا، هو التقليل من إمكانية قيام واشنطن بأي رد ذي مغزى.
واعتبر كوفلن أن استعداد بايدن للتخلي عن مسؤولياته العالمية في شؤون العالم، فضلاً عن “فشله” في الدفاع عن المصالح الحيوية لأمريكا وحمايتها، لم يغب عن أعداء واشنطن، كما كان واضحاً من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التعيسة الأخيرة إلى الصين.
ويعرف الشيوعيون الحاكمون في الصين الضعف عندما يرونه، وأظهر رفضهم الرد بشكل إيجابي على معظم المقترحات التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حتى لو كان مثل إعادة إنشاء روابط الاتصال بين الجيشين الأمريكي والصيني، أن بكين لم تكن في حالة مزاجية لتخفيف موقفها العدواني بشأن استقلال تايوان.
إحدى طرق إدارة بايدن للرد على الاضطرابات في روسيا تتمثل في زيادة دعمها العسكري لكييف، وبالتالي تمكين القوات الأوكرانية من إلحاق هزيمة كارثية بالمحتلين الروس.
ومع توقع معظم وكالات الاستخبارات الغربية أن الصين ستسعى إلى استعادة تايوان بالقوة، بحلول عام 2027، على أقصى تقدير، فإن موقف إدارة بايدن المرتبك في هذا الشأن- حتى أن بلينكن أعلن أن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان- لن يؤدي إلا إلى تشجيع حكام بكين الشيوعيين على الاعتقاد بأنهم لن يواجهوا أي مقاومة ذات مغزى من الولايات المتحدة إذا شنوا غزوهم المخطط له منذ فترة طويلة للجزيرة.
وفي الواقع، وبعد الكشف عن أن الصين تسعى إلى توسيع علاقاتها العسكرية مع كوبا، مع خطط لإقامة منشأة تدريب عسكري على بعد 100 ميل من فلوريدا، من الواضح أن بكين تعتقد أنه ليس لديها ما تخشاه من الولايات المتحدة، طالما ظل بايدن في السلطة.
ويخلص كوفلن إلى أنه “كلما استمرت إدارة بايدن في سياسة المراوغة الإستراتيجية، سيتم تشجيع الأنظمة الأكثر استبداداً في روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية على الاعتقاد بأن بإمكانها متابعة مخططاتها الشيطانية لزيادة قوتها ونفوذها في جميع أنحاء العالم”.