شهدت إندونيسيا الحالية حدثا تاريخيا هاما تمثل في طرد الأمير فتح الله في 22 يونيو عام 1527 البرتغاليين من ميناء “سوندا كيلابا” الواقع في العاصمة الحالية جاكرتا.
ذلك النصر البارز الذي يحتفل به في الوقت الحالي في إندونيسيا باعتباره تاريخ تأسيس “جاكرتا”، أفسد خطط البرتغاليين في التمدد في مراكز المنطقة التجارية وطرد العرب والمسلمين منها، فيما بقي هذا الميناء في أيدي أبنائه لمدة مئة عام.
بدأت القصة حين عقد البرتغاليون اتفاقية مع مملكة سوندا الواقعة في القسم الغربي من جزيرة جاوة، حصلوا بموجبها على ميناء سوندا كيلابا الاستراتيجي، الواقع على الساحل الشمالي الغربي لجاوة.
حكام سوندا حاولوا تعزيز هذه الصفقة وتوثيق صلاتهم مع هؤلاء الغرباء، بتقديم هدية لهم عبارة عن ألف سلة من الفلفل، السلعة النادرة والثمينة في ذلك الوقت.
في تلك الأثناء شرع البرتغاليون في بناء حصن في سوندا كيلابا وإنشاء مركز تجاري في هذا الطرف من جزيرة جاوة لإحكام قبضتهم على تجارة الفلفل.
لم يرض هذا الأمر بالمقابل سلطنة “ديماك”، وهي مملكة إسلامية على الساحل الشمالي لجزيرة جاوة، فقررت سلطاتها حرمان البرتغاليين من هذا الميناء الهام بالسيطرة عليه.
عقب مرور خمس سنوات على توقيع البرتغاليين لتلك الاتفاقية مع مملكة “سوندا”، اقترب أسطولهم محملا بمواد البناء من أرصفة ميناء “سوندا كيلابا”، فتصدت لهم مدافع الأمير فتح الله الذي كان يقود القوات التي أرسلتها سلطنة “ديماك”، وتمكن من طردهم وحرمانهم من هذا “الصيد الثمين” بعد أن كان في متناول أيديهم.
سلطنة “ديماك” خلدت الحدث بتسمية المنطقة “جاياكارتا” وتعني “النصر العظيم”، ومن هذا الحدث ولدت العاصمة الإندونيسية التي تحور اسمها قليلا لاحقا إلى “جاكرتا”.
احتفظت “جاياكارتا” باستقلالها عن نفوذ الدول الأوروبية البحرية الكبرى خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر حتى مايو عام 1619، حين وصل إليها الهولنديون وقاموا بإحراقها وبنوا على رمادها مدينتهم الخاصة التي أطلقوا عليها اسم “باتافيا”.
مرت الكثير من المياه بنهر “سيليونج” الذي يصب في بحر جاوة في ذلك الميناء، إلى أن وصلت الحرب العالمية الثانية بكل أهوالها إلى هناك، وبرزت “جاكرتا”، أثناء الاحتلال الياباني لإندونيسيا، وأصبحت مجددا رمزا للنضال من أجل التحرر الوطني.
من هو صاحب الأمير فتح الله، صاحب “النصر العظيم”؟
يوصف فتح الله بأنه قائد عسكري إندونيسي كان خدم حكام “ديماك” و”بانتام” في النصف الأول من القرن السادس عشر، ويعد بطلا وطنيا في إندونيسيا، ومؤسس مدينة “جاكرتا”.
تقول بعض المصادر أن فتح الله ولد في عام 1448 في آسيا الوسطى، وقد يكون ذلك في مدينة “سمرقند” الواقعة حاليا في أوزبكستان.
روايات أخرى تشير إلى أن فتح الله تلقى تعليمه في بغداد، وأنه ارتحل إلى مكة المكرمة، ومنها انتقل إلى جزيرة “جاوة” في إندونيسيا الحالية.
إحدى الروايات ذكرت أن فتح الله كان ثمرة زواج مختلط بين ملك مكة والأميرة الجاوية باجاجاران، ورواية تالية أرجعت أصله إلى زواج بين السلطان عبد الله الهاشمي الذي يوصف بأنه كان حاكما مصريا لفلسطين، ونياي رارا سانتانج، ابنة الملك باجاجاران رادين ماناه راسا.
هذا كل ما يتردد عن الأمير فتح الله، إلا أن ما قام به من عمل نادر في طرد البرتغاليين الذين كانوا بمثابة قوة بحرية كبرى في ذلك الوقت وتأسيس “جاكرتا” على أنقاض مستعمرتهم هناك، يكفي بذاته، هوية ساطعة تحولت إلى رمز وطني خالد في إندونيسيا، الدولة المسلمة الأكبر سكانيا.