تفيض أرض الأردن بالإنتاج ومن هذا الإنتاج ما هو فريد ونادر، والعسل هو أحد هذه النَّوادر بيد أنَّ أسئلة عديدة تبرز عند كل شخص يريد شراء هذه المادة ومن بينها، هل هو أصلي مضمون؟، كيف نميز بين المغشوش والأصلي؟، من يراقب الإنتاج؟.
ولا يُنظر للعسل على أنه غذاء مفيد فقط لكنّ هناك أدلّة علمية طبية بأنّ له خواص وسمات علاجية ينفرد بها عن غيره، لذا يتتبع مربو النَّحل أماكن الزهور، ويجتهدون في نقل خلايا النحل إليها ويبذلون الوقت والجهد لأجل الحصول على منتج فاخر ونوعي تخدمهم بذلك طبيعة الأردن المتنوعة.
وكالة الأنباء الأردنية “بترا” زارت نقاط بيع مادة العسل في أماكن تسوق عديدة، والتقت أصحاب مزارع النَّحل، وتحقَّقت من طرق إنتاج العسل، وآلية التمييز بين الأصلي والمغشوش، ليتبين أنّ الأردن يُنتج 19 نوعا من العسل، وهو ثروة كبيرة ومهمة.
والتقت أطرافا كثيرة في إنتاج وبيع واستهلاك مادة العسل والذين عرّفوه على أنه مادة طبيعية حلوة ينتجها نوع من النّحل من رحيق النباتات أو إفرازات الأجزاء الحية من النبات ويقوم بجمعها وتحويلها من خلال مزجها مع القليل من إفرازاته ومن ثم يقوم بتخزينها في أقراص شمعية حتى تنضج.
وأشاروا إلى أن لون العسل يتباين من عديم اللون تقريبا إلى اللون البني الغامق وقد يكون قوامه سائلا أو لزجا أو متبلورا جزيئا أو كليا، ومن الممكن أن يختلف طعم ونكهة العسل حسب النباتات الأصلية التي يتغذى عليها النحل.
ويوجد العسل بالأسواق بأشكال مختلفة مثل عسل النحل الصافي، عسل الأقراص الشمعية أو عسل مع قطع من الأقراص الشمعية.
أسعار
وتتفاوت أسعار كيلوغرام العسل المحلي الواحد بحسب متخصصين، بين 15 -30 دينارا والنوعية تلعب دورا في ذلك، ولا يمكن للذين يبيعون العسل بأسعار زهيدة أن يكون أصليا، مشيرين إلى أنَّ طرق غش العسل المتبعة بدائية وسهلة الكشف.
وبينوا أن عسل القيقب نادر في الأردن لاحتوائه على أعلى نسبة من المركبات العلاجية بين كل مركبات العسل التي تم فحصها بحسب بحث علمي أجري حوله ويتوفر فقط في بعض المناطق الحرجية الجبلية في عجلون والسلط.
وتتفاوت التقديرات والإحصاءات الرسمية والأرقام والتقديرات غير الرسمية الخاصة بنقابة النّحالين الأردنيين وفق نقيبهم محمد ربابعة، فمثلا تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود ما يقارب 1400 نحال و45 ألف خلية بينما تشير أرقام النقابة إلى وجود قرابة 4000 نحال يملكون حوالي 70 ألف خلية، بينما يتراوح إنتاج الخلايا حسب المواسم من 200- 300 طن سنويا رسميا في حين تؤكد النقابة بأنّ هذا الرقم متواضع جدا لأن أغلب النحالين لا يقدمون معلومات حقيقية دقيقة للإحصاءات.
وأكد أنَّ إنتاج الأردن من العسل يتراوح بين 700- 800 طن ما يرفع نسبة مساهمة قطاع النحل في استهلاك العسل المحلي إلى ما يقارب 50 – 60 % من الإنتاج المحلي، داعيا للتفكير بجدية لحماية هذا القطاع للمساهمة في وصوله للاكتفاء الذاتي تحقيقا للأمن الغذائي المنشود.
وأوضح أنّ قطاع النحل ليس فقط منتج عسل بل يعمل على زيادة إنتاج كل المحاصيل التي لها علاقة بالتلقيح، مثل منتوجات محاصيل اللوزيات والفاكهة والبطيخ والشمام والكوسا، وغيرها، مؤكدا أهمية النحل في الحفاظ على التنوع الحيوي وهنا تجدر الإشارة إلى أن دور النحل في هذا الجانب تفوق خمسة أضعاف جدواه الاقتصادية.
وطالب الربابعة بوقف استيراد العسل أسوة بزيت الزيتون حماية للمنتج المحلي، لافتا إلى أنّ النقابة عملت منذ ثلاث سنوات على إنشاء نظام تتبع للعسل يتيح معرفة المنتج ونوع العسل والمنطقة التي أنتج فيها، حيث يتم فحص عينات من إنتاج النحال من العسل في النقابة والتأكد من مطابقته للمواصفة حيث يتم تعبئة العسل المطابق في معمل مرخص ووضع ملصق غير قابل للتقليد أو التزوير بحيث يستطيع المستهلك عند شرائه مسح الرمز باستخدام هاتفه النقال والاستعلام عن المعلومات المتعلقة بالمنتج كاملة.
وبين أنّ هناك موسمين رئيسيين في الأردن هما “الربيعي” من بداية نيسان حتى منتصف أيار في مناطق الغور والشفا والجبل، والقطفة الصيفية خلال شهري حزيران وآب إضافة إلى مواسم فرعية أخرى.
وفي سياق متصل، أشار إلى عدم وجود علاقة بين لون وقوام العسل وكونه مغشوشا أم لا، إضافة إلى عدم فعالية الطرق التقليدية الشائعة في التحقق من جودته، نافيا الاعتقاد السائد لدى المستهلكين أن العسل المتبلور هو عسل مغشوش لأنّ ظاهرة تبلوره تعد إحدى أهم علامات جودته.
صورة تعبيرية. (istockphoto)
حماية المنتج المحلي
وأوضح الناطق الإعلامي لوزارة الزراعة لورنس المجالي لـ(بترا)، أنّ الوزارة تعمل على تنمية القطاعات والمحاصيل التي يتم استيرادها من الخارج والتي تسمى محاصيل العجز لذلك يتم العمل على عدد من الإجراءات لزيادة إنتاج هذه المحاصيل ومن ضمنها عسل النحل.
ولفت إلى أنّ الوزارة عملت على منح قروض وتمويل من خلال الإقراض الزراعي دون فائدة على مدى العام 2022-2023 ضمن الخطة الوطنية للزراعة المستدامة ودعم المشاريع الزراعية ذات الأثر التصنيعي وصلت إلى 10 ملايين دينار كالاستزراع السمكي وزراعة العسل وكثير من هذه الزراعات التي يتم استيرادها من الخارج للعمل على أن يتم زراعتها محليا للوصول للاكتفاء الذاتي.
وبين أنّ الوزارة عملت على وضع بعض الإجراءات الخاصة لحماية المنتج المحلي بما يتناسب مع احتياجات السوق المحلي بحيث لا يكون هناك إغراق من المنتجات المستوردة يؤدي لخسارة المزارعين وإجراءات التوسع التدريجي بهذه الزراعة على مدى الأعوام المقبلة مع تخيف الاستيراد وصولا للاكتفاء الذاتي.
وفي السياق ذاته، بين مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة خليل عمرو أنّه تم ترخيص 38 ألفا و500 طائفة نحل عام 2022 تقريبا، وعام 2021 حوالي 58 ألف خلية وأنّ جزءا من هذا الانخفاض في أعداد الخلايا والمقدر بـ20 ألف خلية يعود لإجراءات اتبعتها الوزارة لضبط الحيازات الوهمية من خلال توسيم الخلايا بالرقم الوطني لصاحبها التي تجيز ترخيصها وهذا ما جعل صغار المزارعين ممن لا يتلقون خدمات وزارة الزراعة التي تمنح لمن يمتلكون مئة خلية فما فوق خدمات العمالة وهي تصريح العمل الزراعي المدعوم إضافة إلى خدمة إعفاء من رسوم سيارة زراعية لخمسين طائفة فما فوق خدمة الدعم الفني والإرشاد عبر مديرية الإنتاج الحيواني قسم النحل إضافة إلى الخدمات اللوجستية.
وأكد أنّ هذه الإجراءات هي بمثابة أرضية تشريعية تنظم دخول منتجات النحل بحيث لا تضر المنتجات المحلية إلى جانب العمل على تحديث المنظومة التشريعية قدر الإمكان لتتبع حالات الغش لأن ولاية الوزارة تطبق على المستوردات وليس على المنتج محليا منه.
الإنتاج المحلي
وأشار إلى أنّ الإنتاج المحلي من العسل لا يلبي الاحتياج مئة في المئة وفي المواسم الجيدة فإنّ الإنتاج يغطي فقط 20 في المئة من احتياجات السوق المحلي والموضوع يعدو كونه عسلا على مائدة المواطن حيث يدخل العسل كمادة في صناعات عديدة منها الأدوية والمكملات الغذائية وتغطي المستوردات هذه الفجوة وبعض الصناعات لا تناسبها أسعار العسل المحلي التي تعد مرتفعة لأن المناخ لا يسمح بمعدلات إنتاج مرتفعة.
وقال إنّه ولضمان عدم غش العسل تلتزم الوزارة بتطبيق بنود القاعدة الفنية للعسل 122/2007 على مستوردات الأردن من منتجات النحل إذ يخضع العسل إلى اختبار متبقيات مبيدات ومتبقيات مضادات حيوية ويخضع أيضا إلى فحوصات الجودة التي تقيس مستويات السكريات في العسل لبيان عمر العسل أو هل تعرض لمعاملات تسخينية أم لا.
الجمعية العلمية الملكية
من جانبها، قالت رئيسة قسم مختبرات البيئة والمياه والغذاء في الجمعية العلمية الملكية منال خمايسة إنَّه يتم في مختبرات الجمعية إجراء فحوصات على مادة عسل النحل لعينات يتم استلامها من قبل المؤسسات الحكومية الخاصة بالرقابة على هذه المنتجات أو من قبل الشركات أو الأفراد الذي يرغبون بالتأكد من جودة وسلامة منتجاتهم.
ولفتت إلى أنّ الفحوصات التي يتم إجراؤها على مادة عسل النحل تنقسم إلى ثلاث فئات، فحوصات جودة العسل مثل الفحوصات الحسية ونسبة الحموضة والرطوبة ومحتوى المواد الصلبة غير الذائبة في الماء، وفحوصات كشف غش العسل مثل محتوى السكريات منها الغلوكوز، الفركتوز، السكروز وفحص محتوى مادة الهيدروكسي ميثايل فورفورال، والفحوصات الصحية للعسل وتشمل فحص متبقيات المبيدات والعقاقير البيطرية والفحوصات الميكروبيولوجية والمعادن الثقيلة.
ولفتت إلى أنَّه يتم إجراء هذه الفحوصات في مختبراتنا المعتمدة محلياً وإقليمياً وعلى أيدي كوادر متخصصة ومؤهلة علمياً وحسب طرق فحص معتمدة عالمياً.
الغذاء والدواء
وأوضحت المؤسسة العامة للغذاء والدواء في رد على استفسارات (بترا) دورها في الرقابة على العسل ومنتجاته المتداولة بالسوق المحلي والمتمثل بالكشف الميداني وسحب عينات من العسل ومنتجاته المتداولة في السوق المحلي من قبل مفتشي المؤسسة وفحص العينات في مختبرات المؤسسة/ مختبر كيمياء الأغذية للتأكد من مطابقتها للقاعدة الفنية الخاصة بالعسل في مجال فحوصات متعددة.
وبينت أنّ هذه الفحوصات من بينها فحص الحموضة الحرة وفحص السكريات الكلية، إضافة إلى دورها في اعتماد خطوط تعبئة وتغليف العسل ومنتجاته وإجازة تداول أو إجازة استيراد العسل ومنتجاته التي تحمل ادعاءات طبية أو عبارات مضللة وتقديم الاستشارات الفنية لبطاقات البيان الخاصة بالعسل ومنتجاته ومتابعة الشكاوى الواردة للمؤسسة بخصوص العسل ومنتجاته.