تتجه تركيا فيما يبدو نحو جولة إعادة للانتخابات الرئاسية مع إعلان حزبي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومنافسه المعارض كمال كيليشدار أوغلو انتصارهما لكن مصادر من كلا المعسكرين قالت إنهما قد لا يتخطيان حاجز 50% اللازم لإعلان الفوز مباشرة.
وأشارت النتائج الأولية إلى فوز أردوغان بفارق مريح ولكن مع استمرار إحصاء الأصوات تراجعت حظوظه في الفوز، مما يمهد الطريق لجولة إعادة في 28 أيار.
وقال أردوغان إن إعلان نتائج متسرّعة يعني سرقة إرادة الشعب، وحث الأتراك على عدم ترك صندوق اقتراع دون إحصاء إلى أن تظهر النتائج الرسمية، أما كيليشدار أوغلو فقال: “لن ننام الليلة”.
ورفض كلا الجانبين الأرقام التي أعلنها الآخر ولم تُعلن بعد النتيجة الرسمية. وقال رئيس بلدية أنقرة المعارض منصور يافاش إن إحصاء أجراه حزبه يشير إلى حصول كيليشدار أوغلو على 47.42% مقابل 46.48% لأردوغان.
وأظهرت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات تقدما طفيفا لصالح كيليشدار أوغلو الذي يقود تحالفا من ستة أحزاب. وأظهر استطلاعان يوم الجمعة أن نسبة تأييده تتجاوز مستوى 50%.
وقال مسؤول كبير من تحالف المعارضة طلب عدم نشر اسمه “يبدو أنه لن يكون هناك فائز في الجولة الأولى. لكن بياناتنا تشير إلى أن كيليشدار أوغلو في الصدارة”.
وهذه الانتخابات هي واحدة من أكثر الانتخابات أهمية في تاريخ تركيا الحديث الممتد منذ 100 عام، وهو اقتراع قد ينهي حكم الرئيس رجب طيب أردوغان المستمر منذ 20 عاما ويتردد صداه خارج حدود تركيا.
وستقرر الانتخابات الرئاسية ليس فقط من سيقود تركيا- العضو في حلف شمال الأطلسي التي يصل عدد سكانها إلى 85 مليون نسمة- وإنما ستحدد أيضا أسلوب حكمها والاتجاه الذي سيمضي فيه الاقتصاد وسط أزمة غلاء محتدمة فضلا عن شكل سياستها الخارجية.
وتراقب الدول الغربية ودول الشرق الأوسط وحلف شمال الأطلسي وموسكو الانتخابات عن كثب التي تصحبها أيضا انتخابات برلمانية.
وقد تثير هزيمة أردوغان، أحد أهم حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قلق الكرملين لكنها ستريح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالإضافة إلى عدد من قادة دول أوروبا والشرق الأوسط الذين لديهم علاقات مضطربة مع أردوغان.
ونجح أردوغان في تحويل تركيا إلى طرف فاعل على الصعيد العالمي وأقام مشروعات عملاقة بها لمواكبة العصر مثل الجسور والمستشفيات والمطارات الجديدة وأسس صناعات عسكرية تطلب إنتاجها دول أجنبية.
لكن سياسته الاقتصادية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة أدت إلى أزمة غلاء المعيشة وزيادة التضخم، مما تركه فريسة لغضب الناخبين.
وما زاد من استياء الناخبين هو رد الفعل البطيء من جانب حكومته على الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا وأودى بحياة 50 ألفا في شباط.
وتعهّد كيليشدار أوغلو بوضع تركيا على مسار الديمقراطية بعد قمع لسنوات والعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية وتمكين المؤسسات التي فقدت استقلاليتها في ظل قبضة أردوغان القوية وإعادة بناء العلاقات المتدهورة مع الغرب.
وفي حال انتصار المعارضة، قد تفرج السلطات عن آلاف السجناء والنشطاء السياسيين، ومنهم أسماء معروفة مثل الزعيم الكردي صلاح الدين دمرداش ورجل الأعمال عثمان كافالا.
سياسات الاستقطاب
قال أحمد كالكان (64 عاما) لدى إدلائه بصوته لصالح كيليشدار أوغلو في اسطنبول “أرى أن هذه الانتخابات فرصة للاختيار بين الديمقراطية والدكتاتورية”، مرددا وجهة نظر المعارضين الذين يخشون أن تزداد سلطوية أردوغان في الحكم إذا فاز.
وأضاف كالكان، وهو موظف متقاعد بقطاع الصحة، “اخترت الديمقراطية وآمل أن تختار بلدي الديمقراطية”.
ويقول أردوغان، السياسي المخضرم البالغ من العمر 69 عاما الذي فاز بالعديد من الانتخابات في السابق، إنه يحترم الديمقراطية وينفي أي نزوع للحكم السلطوي.
وفي مؤشر على أن أردوغان لا يزال يتمتع بقدر من الشعبية، قال محمد عاكف كهرمان الذي أدلى بصوته في اسطنبول أيضا إن الرئيس ما زال يمثل المستقبل حتى بعد عشرين عاما في السلطة.
وأضاف “ستكون تركيا دولة رائدة عالميا”.
وسيكون السباق في الانتخابات البرلمانية متقاربا بين تحالف الشعب، المكون من حزب العدالة والتنمية المحافظ ذي التوجهات الإسلامية بزعامة أردوغان وحزب الحركة القومية القومي وغيرهما، وبين تحالف الأمة بقيادة كيليشدار أوغلو المؤلف من ستة أحزاب معارضة من بينها حزبه الشعب الجمهوري العلماني الذي أنشأه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك.
ومع إحصاء نحو 62% من صناديق الاقتراع، قالت قناة (خبر ترك) إن تحالف أردوغان حصل على 52% مقابل 33% لتحالف المعارضة في الانتخابات البرلمانية.
التغيير أو الاستمرار
أردوغان خطيب مفوّه ومخضرم في قيادة الحملات الانتخابية والفوز بها، وقد بذل قصارى جهده خلال حملته الانتخابية. ويحظى الرجل بولاء مطلق من الأتراك المتدينين الذين كانوا يشعرون في الماضي بأن تركيا العلمانية سلبتهم حقوقهم. وسبق أن تغلب أردوغان على محاولة انقلاب في 2016 واجتاز العديد من فضائح الفساد.
لكن إذا أطاح الأتراك بأردوغان فسيكون هذا إلى حد كبير نتيجة شعورهم بتبدل أوضاعهم الاقتصادية وتراجع قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية في ظل تضخم تجاوز 85% في تشرين الأول 2022 وانهيار الليرة.
وخلال سنوات حكمه الطويلة أحكم أردوغان قبضته على معظم المؤسسات التركية وهمش الليبراليين والمعارضين. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2022 إن حكومة أردوغان أعادت سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان عقودا للوراء.
وسيكون للناخبين الأكراد الذين يمثلون ما يتراوح بين 15 و20% من إجمالي الناخبين، دور محوري في هذه الانتخابات، ومن المستبعد أن يحصل تحالف الأمة منفردا على أغلبية برلمانية.
وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد ليس جزءا من تحالف المعارضة الرئيسي، لكنه يعارض أردوغان بشدة على خلفية حملة القمع التي استهدفت أعضاءه في السنوات الماضية.
رويترز