ماذا سيقول الأتراك لأردوغان ؟
قبيل الانتخابات التركية الوشيكة سماء تركيا ملبدة بغيوم تراكم فوقها اسئلة عن مستقبل اردوغان ومصير الاقليم بأسره.
الزلزال الكارثي في تركيا يدفع فاتورته سياسيا اليوم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
الزلزال ضرب جنوب تركيا، وخلف دمارا وقتلا وتشريدا وخرابا.
الانتخابات الرئاسية تصويت على مصير اردوغان ومشروعه الوطني التركي.
و فيما يواجه اردوغان اليوم اصعب المواقف والتحديات السياسية، ولحظة اختبار سياسية غير مسبوقة لرئيس التصق بالسلطة ورأسها منذ عشرين عاما.
استطلاعات الرأي العام التركية تنذر بان ثمة تغييرا قادما على الرئاسة التركية.
و ان اكثر من نصف الاتراك يرفضون التجديد بالرئاسة لأردوغان.
و بعد عشرين عام من التصاق اردوغان برأس السلطة، ولولا الزلزال الكارثي كان أردوغان يبحث عن تفويض واستفتاء شعبي مفتوح على تجديد شرعية سلطاته غير المقيدة.
و فيما يواجه اردوغان اليوم ارتدادات الزلزال سياسيا، والسؤال والاستجواب الشعبي عن هول الخسائر البشرية والعمرانية والاقتصادية. وكما ان الاتراك رغم ان الزلزال لم يخلف اي مساءلة او محاسبة عن اجراءات سلامة وصلاحية الاسمنت والعمران الذي تهدم وكفاءة ادارة المقاولات، وادارة ازمة الترويع العام التي ضربت في البلاد، فقد يقولون كلمتهم في صناديق الاقتراع.
اردوغان افلت من انياب ومصائد المعارضة التركية، وكانت قد واجهته كثيرا ازاء تدخل تركيا في ملفات اقليمية وحروب الوكالة في سورية وليبيا، والنزاع السياسي مع مصر والملف الاخواني والازمة القطرية / الخليجية.
و كما لو ان الزلزال التركي كان متوقعا ومرتقبا من سياسة اردوغان واقحام تركيا في شرور ازمات وحروب وصراعات الاقليم.
و سياسيا، من المستحيل القول ان تركيا بعد الزلزال كما هي قبل. وان تمضي الانتخابات وسياسة تركيا الاقليمية، وكأن شئيا لم يحدث.
في تركيا اليوم، ظرفية اقتصادية ثقيلة وتضخم مروع وكبير و تراجع في قيمة الليرة التركية، وحلم ومشروع اردوغان الاسطوري في الاقتصاد واحياء حكم الخلافة وتركيا العثمانية تبدد وانهار امام زلزال ومتغيرات جديدة في العلاقات الدولية قلبت الطاولة على امريكا والقطب الاوحد وحلفائها من صناع حروب الوكلات.
وفي متابعة استطلاعات الرأي العام التركي هناك انقلاب في المزاج العام، وتغيير في بنية المجتمع التركي، وحتما سوف يعكس ذلك على اتجاهات التصويت في الانتخابات وصناديق الاقتراع.
المعارضة التركية وبعد عشرين عاماً من السجال الطاحن والكاسر مع اردوغان وسياساته في الداخل والخارج التركي، فهم يعتقدون ان الفرصة باتت مواتية لكي ينقضوا على الرجل القوي، وسوف يلحقون به خسارة دموية، وواثقون ان شعبية اردوغان سقطت باول ارتداد لزلزال الجنوب التركي.
من المفارقات التركية ان أردوغان صعد السلطة قبل عشرين عام على درج واثر زلزال، واليوم مهدد في الرحيل والسقوط المدوي بفعل زلزال، يبدو انها قدرية وحتمية تركية زلزالية تتحكم في بوصلة سياسة البلاد.
اردوغان دعا الى عدم تسيسس الزلزال، ولكن المعارضة لم يصدقوا وان يشقوا طريقا في جبهة اردوغان ويسيسوا الزلزال وينشبوا جدران اردوغان السياسية، وليسهلوا سقوطه الانتخابي ورحيله.
المعارضة التركية تتوحد على مرشح واحد، وهو كمال كليجدار اوغلوا، وزعيم حزب الشعب الجمهوري، حزب اتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، وهو المنافس الأقوى لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
في الانتخابات كل الاحتمالات واردة، والنتائج ليست مضمونة، واستطلاعات الرأي العام بقدر ما تشكل مؤشرا حركيا ، فانه قد يتغير في اخر اللحظات من الوصول الى صناديق الاقتراع.
الانتخابات التركية هذه الدورة ليست عادية، ونعم الاتراك سوف يقولون كلمتهم، ولكن ارتداد الانتخابات ونتائجها سيكون له دوي عربي واقليمي، وفي تقديري اكثر تأثيرا على الاقليم من زلزال الجنوب التركي.
و في ربع الساعة الاخيرة بعد الزلزال وقبيل الانتخابات ادرك اردوغان ان سلة سياسة تركية الاقليمية يجب ان تتغير وتستبدل، ورأينا انفتاحا تركيا نحو سورية و مصر والسعودية، والسعي نحو حل نزاعات وخلافات شائكة وعالقة في الاقليم.
وسواء كانت نتائج الانتخابات لصالح اردوغان ام العكس. فهذا في تقديري ليس مهما كفاية اذا ما نظرنا الى تركيا وانتخاباتها من زاوية حسابات عربية صرفة.
فالاهم، ان ندرك ما يحدث في اقليم وعالم متغير ، ونعرف كيف نقدر مصالحنا وكيف نثبت موضع قدم، ونتصرف على ضوء مصلحة استراتيجية قومية.