هلا نيوز
باريس: منذ بدء الحرب في أوكرانيا، تبرز مقاطع فيديو مروّعة لتجاوزات منسوبة إلى القوات الروسية، يشبّهها البعض بالفظاعات التي ارتكبَها تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن المشكلة الفعلية، بنظر ناشطي حقوق الإنسان، تكمن في ثقافة الإفلات من العقاب، السائدة منذ عقود في صفوف الجيش الروسي.
كان لمقطع فيديو يُظهِر قطع رأس رجل، يبدو أنه أسير حرب أوكراني، بيد شخص يتكلم بالروسية، وقع الصدمة وأثار ردود فعل دولية مندّدة.
وكان لمقطع فيديو انتشرَ قبل أيام، يُظهِر قطع رأس رجل، يبدو أنه أسير حرب أوكراني، بيد شخص يتكلم بالروسية، وقع الصدمة وأثار ردود فعل دولية مندّدة، حاملاً البعض على التحدث عن أساليب شبيهة بالتنظيم الجهادي، الذي كان يصوّر عمليات إعدام رهائنه وقطع رؤوسهم.
وكتب الرئيس التشيكي بيتر بافيل، في تغريدة: “إذا تأكدت صحة هذا العمل الهمجي، فسيكون الجنود الروس من جانب تنظيم الدولة الإسلامية”.
ورأى وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن روسيا “أسوأ من تنظيم الدولة الإسلامية”.
وفي موقف غير اعتيادي، أعلنت النيابة العامة الروسية أنها تدقق في المقطع للتثبّت من صحته، في حين تنفي موسكو عادة على الفور أي اتهامات بارتكاب جرائم حرب توجّه إلى قواتها في أوكرانيا.
غير أن هذه لم تكن سابقة، إذ انتشرت مقاطع فيديو عدة، منذ اندلاع الحرب، على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر بتر عضو سجين، وقتل آخر رمياً بالرصاص عن قرب، وأجساد جنود تم التمثيل بها، وغيرها.
في موقف غير اعتيادي، أعلنت النيابة العامة الروسية أنها تدقق في المقطع للتثبّت من صحته، في حين تنفي موسكو عادة على الفور أي اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
ولم يتم التثبّت من صحة كل هذه المقاطع، كما لم يتم التعرّف إلى القتلة أو الجلادين فيها، لكن الأوكرانيين يؤكدون أن هذه التجاوزات من فعل “الوحوش” الروس، بحسب تعبير الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
الشيشان وسوريا وأوكرانيا
وأوضح ألكسندر تشيركاسوف، مدير مركز حقوق الإنسان التابع لمنظمة “ميموريال” غير الحكومية الروسية المحظورة في بلادها: “لا نعرف متى وأين صوّر هذا الفيديو، ومن المستحيل أن نقول في الوقت الحاضر من هم المرتكبون، لكن هناك سياقاً عاماً”.
وتابع، متحدثاً لوكالة فرانس برس: “حصلت سوابق، لا سيما في الشيشان، حيث عُثر على عشرات الجثث المقطوعة الرؤوس، بين آلاف عمليات الاختفاء القسري لشيشان خلال الحرب الثانية” بين 1999 و2000.
وقال: “هناك أيضاً الفيديو السوري”، في إشارة إلى عمليات القتل والتعذيب التي وثقّها مصوّر سابق في الشرطة العسكرية السورية هرب من بلاده وبحوزته عشرات آلاف الصور عن تعذيب وقتل آلاف المعتقلين بطرق وحشية، ما شكّل أساساً لأول شكوى ضد مجموعة “فاغنر” الروسية.
وقدمت الشكوى ثلاث منظمات غير حكومية، بينها “ميموريال” عام 2021 في موسكو. وأكدّت المنظمة التعرّف إلى المسؤولين عن هذه الأعمال على أنهم من عناصر “فاغنر”، غير أنه تم حفظها، وهي باتت الآن أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
تقرير ميموريال: حروب الشيشان وسوريا وأوكرانيا شاركَت فيها أحياناً الأطراف ذاتها، والوحدات والتشكيلات العسكرية نفسها.
ورأى تشيركاسوف أن “هناك آلية إفلات من العقاب منذ حرب الشيشان الأولى (1994-1996)، وما نراه اليوم في أوكرانيا هو نتيجتها”، مشيراً إلى أن “المسؤولين الروس، سواء كانوا من الجيش، أو من الأجهزة الخاصة، أو من فاغنر، لم يواجهوا عقاباً، وهم واثقون من الإفلات من العقاب”.
وكشف تقرير ضخم، أصدرتْه ميموريال مؤخراً، وساهمَ تشيركاسوف في وضعه، أن حروب الشيشان وسوريا وأوكرانيا “شاركَ فيها أحياناً الأطراف أنفسهم والوحدات والتشكيلات العسكرية نفسها”، ووصف “سلسلة من الحروب وسلسلة من الجرائم وسلسلة من الإفلات من العقاب”.
ضوء أخضر
وهذا ما يؤكده مؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير المحامي مازن درويش، موضحاً: “إن كنا اليوم نواجه هذا الوضع في أوكرانيا، فلأنه لم يحصل رد فعل من الأسرة الدولية على ما كان يجري في سوريا”.
وكان المركز السوري للإعلام وحرية التعبير من المنظمات الثلاث التي قدّمت الشكوى ضد مجموعة فاغنر في روسيا. وقال مازن درويش لفرانس برس إنه “بردّه (الشكوى)، أعطى القضاء ضوءاً أخضر للذين يعرفون أنهم لن يتعرضوا لأي ملاحقات”، واصفاً الفيديو الأوكراني بـ”الرهيب”.
وحذّرت الباحثة آنا كولين ليبيديف، الاختصاصية في مجتمعات ما بعد الاتحاد السوفياتي، من أي “تفسير مبني على الثقافة”، مميزة بين مجموعة “فاغنر”، المتهمة بأنها خلف معظم فيديوهات التجاوزات، والجيش الروسي.
لكنها ترى أن “هناك مجموعة كاملة من الأمور تجعل من الممكن ارتكاب أعمال العنف هذه”، ذاكرةً “عدداً من الممارسات التي تعتبر مقبولة، مثل عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين”، و”مشكلة قيادة وتراتبية داخل الجيش الروسي، وعدم وضوح أهداف الحرب والنموذج الاجتماعي للمقاتلين على الجبهة”، المتحدرين، في غالب الأحيان، من أوساط فقيرة لم تحصل على تعليم كاف.
المسؤولون الروس، سواء كانوا من الجيش، أو من الأجهزة الخاصة، أو من فاغنر، لم يواجهوا عقاباً، وهم واثقون من الإفلات من العقاب.
ومن العوامل المشجعة على ارتكاب تجاوزات، تجنيد عشرات آلاف السجناء الروس في صفوف “فاغنر” على مدى أشهر للقتال على الجبهة الأوكرانية.
وأوضحت الخبيرة القانونية الروسية يانا غيلميل مؤخراً، خلال مؤتمر لمنظمة “ميموريال” في باريس، أن هؤلاء “مجرمون”، إنما هم أيضاً أفراد “محطمون نفسياً”، طوّروا مستوى عالياً من تقبّل العنف، بعد سنوات في السجون الروسية حيث ممارسة التعذيب والاغتصاب والعزل معممة.