كتب أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية ليث كمال نصراوين:
يصادف يوم السابع عشر من هذا الشهر الذكرى السنوية الثالثة لصدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء إعلان العمل بقانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992. فقد سبق وأن أصدرت الحكومة السابقة قرارها بتاريخ 17/3/2020 المتضمن تفعيل العمل بقانون الدفاع، وذلك نظرا لما تمر به المملكة من ظروف طارئة، وبسبب إعلان منظمة الصحة العالمية انتشار وباء كورونا، ولمجابهة هذا الوباء على المستوى الوطني، وحماية السلامة العامة في جميع أنحاء المملكة.
فعلى خلاف الأنظمة القانونية المقارنة التي اضطرت إلى إقرار تشريعات وطنية خاصة للتعامل مع جائحة كورونا، فإن النظام الدستوري الأردني قائم على أساس وجود قانون خاص لمواجهة أي ظرف استثنائي قد يحدث، وهو قانون الدفاع الذي صدر وفق الأصول الدستورية المقررة، إلا أن سريان نصوصه يكون معلقا على صدور الإرادة الملكية السامية المستندة إلى قرار مجلس الوزراء، وذلك استنادا لأحكام المادة (124) من الدستور.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، مارس رئيس الوزراء صلاحياته المقررة له بموجب القانون، والتي تتمثل بإصدار أوامر دفاع من شأنها أن توقف العمل بأي نص أو تشريع يخالف مضمونها. فصدر لهذه الغاية العديد من أوامر الدفاع والبلاغات المستندة إلى نصوصها وأحكامها، والتي تنوعت بين حظر تنقل المواطنين وإغلاق جميع المحلات التجارية ودور العبادة، ووقف سريان جميع المدد والمواعيد الخاصة بإجراءات التقاضي، بالإضافة إلى مجموعة من الأوامر المتعلقة بحماية حقوق العاملين في القطاعات الاقتصادية، وتلك الخاصة بتنظيم التعليم المدرسي والجامعي من خلال اعتماد طرق وأساليب التعليم غير التقليدية.
ويمكن القول بأن أوامر الدفاع والبلاغات الصادرة بمقتضاها قد أصبحت منتهية حكما، وذلك لانتفاء الغاية منها بعد عودة الحياة إلى طبيعتها قبل بدء الجائحة، باستثناء أمر الدفاع رقم (28) الخاص بتأجيل قرارات حبس المدين، ووقف تنفيذ الأحكام الجزائية المتعلقة بإصدار شيك لا يقابله رصيد. فلا تزال هذه الأحكام الاستثنائية مستمرة ونافذة حتى نهاية شهر نيسان القادم، مع إجراء بعض التعديلات القانونية عليها فيما يخص قيمة المبالغ المالية المدينة التي يمكن أن يصدر فيها أحكاما قضائية بالحبس، والتي جرى تخفيضها مطلع الشهر الماضي.
وتبقى التساؤل الأبرز حول مدى الحاجة إلى استمرار العمل بقانون الدفاع في ظل الاختفاء شبه الكامل للمظاهر التي رافقت انتشار جائحة كورونا، والموعد الذي ستقرر فيه الحكومة وقف العمل بهذا القانون، لكي تصدر إرادة ملكية سامية بهذا الخصوص.
إن ما لا شك فيه أن بقاء العمل بقانون الدفاع مرتبط ارتباطا وثيقا بمشكلة اكتظاظ السجون والخوف من إعادة تفعيل أحكام حبس المدين وتنفيذ القرارات الجزائية في قضايا الشيكات. وهذا ما دفع الحكومة إلى تخفيض قيمة الديون المستثناة من نطاق أمر الدفاع رقم (28) لتصبح عشرين ألف دينار، وبالتالي رفع الحماية القانونية عن عدد كبير من الأشخاص المدينين والمحكوم عليهم بجرائم الشيكات. وهو الإجراء الذي يمكن أن يُفهم معه بأن الحكومة بصدد التدرج في إلغاء العمل بأمر الدفاع السابق، وبالنتيجة وقف العمل بقانون الدفاع ككل.
كما يرتبط إلغاء العمل بقانون الدفاع بما سيصدر عن منظمة الصحة العالمية من تصنيفات جديدة لوباء كورونا، حيث من المتوقع أن تقوم المنظمة الدولية بتخفيض صفة الفيروس من جائحة إلى مرض موسمي. وبالتالي، ستنتفي الغاية كليا من قانون الدفاع الذي كان من مبررات تفعيله الحفاظ على السلامة العامة للمجتمع.
وتبقى الدروس القانونية المستفادة من هذه التجربة الاستثنائية هي الأهم، حيث كشف التطبيق العملي لقانون الدفاع عن مجموعة من الملاحظات التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في المستقبل القريب. ويأتي في مقدمة هذه الإشكاليات أن قانون الدفاع لم يتضمن مدة زمنية معنية لسريانه يمكن تجديدها لفترات متشابهة عند الحاجة. هذا على خلاف الحال في الدول الأخرى التي كانت تعلن العمل بتدابيرها الاستثنائية لفترة زمنية محددة، يتم بعد انتهائها تقييم الوضع العام وإصدار القرار بتمديدها من عدمه.
كما يجب إعادة النظر في النصوص القانونية الخاصة بأثر سريان قانون الدفاع على الالتزامات التعاقدية لصالح توضيحها، وذلك في ضوء الجدل القانوني الذي ثار حول مصير العقود المبرمة، والتي عجز الطرفان فيها عن القيام بالأعمال المتفق عليها.
ومن المهم أيضا توضيح نطاق المادة (9) من قانون الدفاع التي تعطي الحق لكل من جرى تكليفه القيام بعمل أو خدمة، أو تم الاستيلاء على ماله أو وضع اليد عليه أو نقله أو اتلافه، أو اتخذ بحقه أي إجراء بموجب هذا القانون أن يطالب رئيس الوزراء بالتعويض، على أن يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام القضاء. فهذا النص لم يتم تفعيله خلال السنوات الثلاث السابقة على الرغم من توافر كافة الشروط والأحوال التي تبرر تطبيقه.