هلا نيوز
بعد ما يقرب من عام من غزو أوكرانيا، فشل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تحقيق أي من أهدافه الرئيسية، فهو لم يوحّد “الأمة الواحدة” المزعومة، ولم “ينزع سلاح” أوكرانيا، ولم يوقف توسع الناتو، وتلقت قواته ضربات قاسية وخسائر ميدانية كبيرة، وفقا لتحليل مطول لمجلة “فورين أفيرز“.
وأبقى الجيش الأوكراني القوات الروسية خارج العاصمة كييف، ودافع عن ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، خاركيف، وأطلق هجمات مضادة ناجحة في الخريف حتى أنه بحلول نهاية عام 2022، كان قد حرر أكثر من 50 بالمئة من الأراضي التي استولى عليها الجنود الروس سابقا.
وكانت روسيا تخطط للقيام بعملية خاطفة، لكنها اضطرّت إلى التخلّي عن كييف في الربيع والانسحاب من شمال البلاد، قبل أن تتخلّى عن الشمال الشرقي في سبتمبر، وجزء من الجنوب في نوفمبر، في مواجهة الجيش الأوكراني المدعوم بأنظمة التسليح الغربية، وفقا لـ”فرانس برس”.
وفي يناير، أقال بوتين الجنرال المسؤول عن الحرب في أوكرانيا، سيرجي سوروفيكين الذي تلقبه وسائل الإعلام الروسية “بالجنرال أرماجيدون” بسبب شهرته بانعدام الرحمة، بعد أشهر قليلة من تعيينه.
وفي أكتوبر 2022، وقع الاختيار على سوروفيكين، ليصبح أكبر قادة روسيا في ساحة المعركة بعد الهجمات الأوكرانية التي قلبت مجريات الحرب ولفتت الانتباه إلى ضعف التدريب والمعدات والروح المعنوية بين القوات الروسية، حسب “رويترز”.
والجنرال الروسي من قدامى المحاربين في الحملات الروسية في الشيشان وسوريا، واعتبر بعض المدونين الروس إن سوروفيكين “كان كبش الفداء في سلسلة من النكبات العسكرية الروسية في الآونة الأخيرة، بما في ذلك هجوم أوكراني على ثكنة روسية في بلدة ماكيفكا أسفر عن مقتل 89 جنديا على الأقل في رأس السنة الجديدة”، وفقا لـ”رويترز”.
ويغير قادة الحرب كبار جنرالاتهم فقط عندما يعلمون أنهم يخسرون، حسب “فورين أفيرز”.
الغرب موحد
تبلي أوكرانيا بلاء حسنا جزئيا خلال الحرب بفضل “الاستجابة الغربية الموحدة”، وفقا لـ”فورين أفيرز”.
وعلى عكس ردود الفعل على الغزو الروسي لجورجيا في عام 2008 أو أوكرانيا في عام 2014، كان رد الفعل الغربي ضد حرب بوتين الأخيرة قويا على جبهات متعددة.
وعزز الناتو دفاعاته الشرقية ودعا السويد وفنلندا للانضمام إلى الحلف، ووفرت أوروبا المأوى لمئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين.
وبقيادة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قدم الغرب كميات هائلة من الدعم العسكري والاقتصادي بسرعة مذهلة، وفرض عقوبات على موسكو، وبدأ تحولا صعبا بعيدا عن الطاقة الروسية.
حرب طويلة الأمد
النبأ السيئ هو أن الحرب مستمرة، ولم يُظهر بوتين أي بوادر على رغبته في إنهائها، وبدلا من ذلك، يخطط لشن هجوم مضاد كبير هذا العام.
وفي ديسمبر، حذر الجنرال فاليري زالوجني، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، من أن “الروس يعدون حوالي 200 ألف جندي للهجوم الجديد”.
ويجب على بوتين فهم أن الأوكرانيين على استعداد للقتال لتحرير بلادهم مهما طال الأمر، لكنه مازال يعتقد أن الوقت في صفه.
لكن بوتين يتوقع من الحكومات والمجتمعات الغربية أن تفقد إرادتها واهتمامها بمواصلة مساعدة أوكرانيا.
ويرى المحللون أن بوتين قد يسعى لتعبئة مزيد من الرجال أو لإطالة أمد النزاع مراهنا على الوقت بوجه الدول الغربية التي قد تشهد انتخابات تؤدي إلى تغيير حكومات، أو قد يتراجع استعدادها للإبقاء على مستويات المساعدة الحالية لأوكرانيا، وفقا لـ”فرانس برس”.
ولهذا السبب يحتاج القادة الغربيون إلى تغيير طريقة تعاملهم مع الصراع، حسب “فورين أفيرز”.
ومن المرجح أن يؤدي التوسع التدريجي في المساعدة العسكرية والاقتصادية إلى إطالة أمد الحرب إلى أجل غير مسمى.
اختراق في أوكرانيا؟
في عام 2023، يجب أن تهدف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والعالم الديمقراطي على نطاق أوسع إلى دعم اختراق أوكراني خلال الحرب.
وهذا يعني تقديم المزيد من الأسلحة المتقدمة والمساعدات الاقتصادية لكييف، وفرض المزيد من العقوبات على موسكو، ولا ينبغي أن يتم ذلك بشكل تدريجي.
ويجب توفير تلك المتطلبات سريعا، حتى تتمكن أوكرانيا من الفوز بشكل حاسم في ساحة المعركة هذا العام.
وتسرع دول الغرب إمدادات الأسلحة إلى كييف، مبدية ثقتها بفرص انتصارها في الحرب التي تشنها عليها روسيا، حسب “فرانس برس”.
وبدون دعم أكبر وفوري، سوف تصل الحرب إلى طريق مسدود، وهذا في صالح بوتين فقط.
وأهم خطوة يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة وحلفاء الناتو هذا العام هي تزويد كييف بالأسلحة التي ستسمح لقواتها المسلحة بشن هجوم عاجل وأكثر نجاحًا في شرق أوكرانيا.
وكانت دول غربية قد وافقت أخيرا هذا الشهر على تزويد أوكرانيا دبابات متطورة تعد الأقوى في جيوش دول حلف شمال الأطلسي.
وتشير “فورين أفيرز” لحاجة أوكرانيا لمزيد من الأسلحة التي أثبتت فاعليتها خلال الحرب وعلى رأسها صواريخ “هيمارس”، وأنظمة الدفاع الجوي “باتريوت”، وصواريخ منظومة أرض-أرض التكتيكية (ATACMS).
وتعتبر أنظمة “هيمارس” التي تم تسليمها إلى أوكرانيا واحدة من أكثر الأدوات فعالية في ترسانتها، حسب “فرانس برس”.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت خلال زيارة زيلينسكي لواشنطن في أواخر ديسمبر عن منح أوكرانيا وحدات من نظام الدفاع الجوي باتريوت.
ومن شأن صواريخ منظومة (ATACMS) البالغ مداها 300 كيلومتر، وضع حد للحرب في وقت أقصر عبر تمكين أوكرانيا من “تدمير مخازن أسلحة كبرى للجيش الروسي” أقيمت في عمق أراض محتلّة يتعذّر حاليا الوصول إليها، وفقا لـ”فرانس برس”.
وستسمح تلك الصواريخ لقوات كييف بمهاجمة المطارات الروسية ومواقع الذخيرة في شبه جزيرة القرم وأماكن أخرى بعيدة المدى تعد ملاذا للجنود الروس الذين يستخدمون أسلحة بعيدة المدى لمهاجمة المدن الأوكرانية، وفقا لـ”فورين أفيرز”.
يحتاج الجيش الأوكراني أيضا إلى قدرات جوية هجومية أقوى بكثير، بما في ذلك طائرات مقاتلات وأخرى بدون طيار.
ويجب الإعلان عن خطط توفير كل هذه الأنظمة في 24 فبراير 2023، بالتزامن مع الذكرى الأولى لغزو بوتين، وسينتج عن ذلك “تأثير نفسي مهم داخل الكرملين والمجتمع الروسي”، مما يشير إلى أن الغرب ملتزم بطموح أوكرانيا لتحرير جميع الأراضي المحتلة، حسب “فورين أفيرز”.
مزيد من العقوبات على روسيا
تحتاج الحكومات التي تدعم أوكرانيا أيضا إلى تشديد العقوبات على موسكو بشكل كبير، ويجب على الولايات المتحدة أن تقود الطريق من خلال تصنيف الاتحاد الروسي كدولة راعية للإرهاب، بحسب تحليل المجلة الأميركية.
ويجب على الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع الدول الأخرى في تحالف العقوبات، أن تسن عقوبات شاملة على جميع البنوك الروسية الكبرى، وجميع الشركات المملوكة للدولة.
ويجب فرض عقوبات جديدة لقطع جميع التقنيات الحيوية التي تساعد “آلة بوتين الحربية”، من المعالجات الدقيقة اللازمة لبناء أسلحة ذكية إلى جميع أشكال تكنولوجيا المعلومات المستوردة التي تعتمد عليها الحكومة والاقتصاد الروسي.
ويتعين على مجموعة الدول الصناعية السبع أن تخفض سقف أسعار صادرات النفط الروسية بشكل أكبر، من حد 60 دولارا اليوم إلى 30 دولارًا للبرميل، وأن تفرض عقوبات أكبر على شركات الشحن، ووكالات التأمين، والبنوك التي تنتهك سقف الأسعار.
ويجب توسيع العقوبات الفردية بشكل كبير لتشمل جميع الأوليغارشية الروسية التي لم تخضع بعد للعقوبات، لكنها تدعم بوتين.
كما يجب أن يشمل ذلك جميع المسؤولين الحكوميين بروسيا، وجميع كبار المديرين وأعضاء مجالس إدارة الشركات المملوكة للدولة، وجميع الدعاة الذين يدافعون عن الحرب، وجميع الجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا.
يجب أيضا فرض قيود سفر جديدة على جميع المواطنين الروس، ويعد الحظر الكامل للسفر إلى جميع الدول الديمقراطية أحد الخيارات، على الرغم من أنه يخاطر بعزل الروس المعارضين للحرب.
وهناك طريقة أخرى تتمثل في جعل جميع الروس الراغبين في السفر إلى الدول الديمقراطية يدفعون “رسوم إعادة الإعمار الأوكرانية” بالإضافة إلى تكلفة تأشيراتهم، حسب “فورين أفيرز”.
وفي الوقت نفسه، يجب على الديمقراطيات أن تسهل على الروس المعارضين للحرب الانشقاق.
يجب منح عشرات الآلاف من أفضل وأذكى الروس الذين فروا بالفعل تأشيرات عمل للبقاء في أوروبا والولايات المتحدة.
ويجب أن يكون قادة المعارضة الروسية والصحفيون المستقلون الذين يعيشون في المنفى قادرين على الحصول على تأشيرات وتصاريح عمل، وفتح حسابات مصرفية، واستخدام بطاقات الائتمان، واستثمار قنواتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
تحليل المخاطر
بعد فترة وجيزة من بدء الحرب، شعر العديد من المراقبين، بالقلق من أن بوتين سيرى توفير هذه الأنواع من الأسلحة الهجومية على أنه تصعيد.
ومع ذلك، لم يقم بوتين بالتصعيد حتى الآن، لأن ليس لديه طريقة للقيام بذلك، فهو يستخدم بالفعل صواريخ كروز باهظة الثمن لمهاجمة المباني السكنية في أوكرانيا، ولا يستطيع مهاجمة الناتو، خشية أن يخاطر بحرب أوسع تخسرها روسيا بسرعة.
ويترك هذا بوتين مع الخيار النووي فقط، لكن حتى ذلك لن “يخدمه جيدا”.
ويتفق الجميع على أن الهجوم النووي ضد الولايات المتحدة أو دول الناتو الأخرى غير مطروح لأن “التدمير المتبادل المؤكد لا يزال قائما”.
كما أن احتمالات استخدام بوتين لسلاح نووي تكتيكي داخل أوكرانيا غير مرجحة للغاية لأنها لن تخدم أي هدف واضح في ميدان المعركة.
وسيؤدي استخدام سلاح نووي في أوكرانيا إلى حشد معارضة أكبر للحرب في جميع أنحاء العالم.