هلا نيوز
في سابقة تاريخية، قَبِل المغرب بتحويل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، إلى نقطة رسمية للجمارك. ويأتي القرار أياما قليلة قبل القمة المغربية- الإسبانية التي تراهن عليها الرباط كثيرا، لاسيما في ظل توتر علاقاتها مع المؤسسات الأوروبية ومع فرنسا.
وأفادت وزارة الخارجية الإسبانية عن البدء بالعمل في تحويل مدينتي سبتة ومليلية إلى نقطتين للتصدير والاستيراد بين البلدين، واعتبرت أن الأمر يتعلق بمنعطف في تاريخ البلدين. وكانت مندوبية الحكومة في سبتة قد أوضحت بأن هذه العملية بدأت الجمعة الماضية بعملية تجريبية لتصدير مواد تنظيف إلى الأراضي المغربية، وستتطور العملية خاصة بعد قمة رئيسي حكومتي البلدين، عزيز أخنوش وبيدرو سانشيز يومي الأربعاء والخميس المقبلين.
يضاف إلى هذا أن المغاربة المتاخمين لسبتة ومليلية مثل ساكنة إقليم تطوان، كانوا يدخلون إلى المدينتين بدون تأشيرة، غير أنه الآن يسمح فقط لحاملي التأشيرات بالدخول، أي أن المدينتن أصبحتا وكأنهما ضمن فضاء “شينغن” الأوروبي.
ولم يصدِر المغرب أي بيان رسمي حول هذا المستجد الذي يمكن تصنيفه بمنعطف حقيقي، ذلك أنه رغم وجود التهريب من المدينتين نحو الأراضي المغربية، كان المغرب يرفض الاعتراف الرسمي بالتبادل التجاري خاصة في حالة مدينة سبتة. بينما كانت مليلية نقطة تبادل تجاري وأساسا بعض صادرات المغرب فقط أكثر من صادرات إسبانيا، وذلك لأن هذه الوضعية ورثها المغرب من اتفاقية تعود إلى القرن التاسع عشر. ورغم مرور مئات الآلاف من الأشخاص من سبتة ومليلية إلى المغرب وفي الاتجاه المعاكس سنويا، كان المغرب لا يعترف بأنهما نقطتان رسميتان للجمارك ومركزا للحدود، بل يسميهما “باب سبتة” و”باب مليلية”.
ويعد القرار منعطفا تاريخيا بحكم أن المغرب كان قد تعهد خلال نوفمبر من سنة 2007، إثر زيارة الملك خوان كارلوس للمدينتين، بتدويل الملف وطرح استعادة السيادة عليهما في المحافل الدولية. وأصدر وقتها بيانا يصف فيه المؤسسة الملكية الإسبانية بالإمبريالية التي تعيش على فكر القرون الوسطى. وكان البيان قد وصف الزيارة كذلك بما يلي “المجازفة بمستقبل وتطور العلاقات بين البلدين، والإخلال الجسيم للحكومة بمنطوق وروح معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة سنة 1991.. الخطوة غير المجدية تسيء للمشاعر الوطنية المتجذرة والراسخة لدى جميع مكونات وشرائح الشعب المغربي”.
وسحب المغرب سفيره عمر عزيمان من مدريد وقتها. وأصدر البرلمان المغربي بغرفتيه بيانا شديد اللهجة يتوعد إسبانيا بإجراءات تصعيدية، ويعتبر أن ما قامت به استفزاز، لا سيما وأن الزيارة جاءت بيوم واحد من العيد الوطني، أو المسيرة الخضراء. بدوره أصدر البرلمان العربي برئاسة محمد جاسم صقر بيانا يقول فيه: “الزيارة تعد مستفزة لمشاعر الشعب المغربي بصفة خاصة، والشعوب العربية بصفة عامة، وتعد مساسا بوحدة تراب المغرب”.
غير أن الأمور اتخذت منحنى آخر في السنوات اللاحقة، فقد هددت إسبانيا علانية عن طريق وزير خارجيتها مانويل غارسيا مارغايو خلال نوفمبر 2013 بأن طرح المغرب لكل من سبتة ومليلية يعد معرقلا للعلاقات الثنائية. ولم يعد المغرب يطرح هذا الموضوع رسميا بصفة نهائية، وغاب مبدأ استعادة السيادة على المدينتين عن الخطاب الرسمي للدولة والأحزاب. ويبرر تيار في الدولة المغربية بأن الصمت على سبتة ومليلية هو ظرفي بحكم الأولوية لنزاع الصحراء الغربية. ويبدو أن ما يعتبره المغرب ظرفي، حولته إسبانيا إلى مكسب شبه أبدي.
وكان رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز، قد اعترف في البرلمان خلال يونيو الماضي بأن الحكم الذاتي يجب أن يكون الحل الأمثل للنزاع في الصحرائ الغربية، شريطة قبول جبهة البوليساريو به. غير أنه تراجع نسبيا عن الموقف في خطابه خلال أشغال الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي بتركيزه على القرارات الدولية حلا للنزاع، ولم يتطرق إلى الحكم الذاتي.
والمثير أن الحزب الاشتراكي الإسباني يبدي تفهما لمطالب المغرب في نزاع الصحراء دون موقف جوهري، لكنه مقابل ما يمكن اعتباره تنازلات مغربية في سبتة ومليلية. فقد كان رئيس الحكومة فيلبي غونثالث قد تفهم مطالب المغرب في الصحراء، لكنه في المقابل، منح سبتة ومليلية الحكم الذاتي سنة 1995، رغم أن البلدين وقّعا سنة 1991 على اتفاقية الصداقة وحسن الجوار.
وكانت زيارة ملك إسبانيا إلى المدينتين خطا أحمر، لكن رئيس الحكومة الاشتراكية خوسي لويس رودريغيث ساباتيرو، فرض الزيارة يوم 5 نوفمبر 2007، وأصبحت زيارات ملوك إسبانيا ووزرائها إلى سبتة أمرا طبيعيا دون رد فعل من المغرب، عكس ما كان يحدث في الماضي. وينجح رئيس الحكومة الاشتراكي الحالي بيدرو سانشيز في تحويل سبتة ومليلية إلى مركزين جمركيين بموافقة المغرب، وذلك في سابقة تاريخية ذات دلالات رمزية.
وكان الحزب الاشتراكي الإسباني هو الذي نقل إلى البرلمان الأوروبي أزمة المهاجرين إبان اقتحام آلاف المغاربة سبتة في مايو 2021، وحصل على موقف من البرلمان الأوروبي في يونيو من السنة نفسها، يعتبر أن سبتة ومليلية هي أراض إسبانية وأوروبية، علما أن المؤسسات الأوروبية كانت دائما تتجنب الحديث عن المدينتين بسبب وضعهما السيادي الشائك.