يؤكد حسين البدول (35 عاما) مبتسما بينما يجول مع جمليه أمام الخزنة الشهيرة المنحوتة في الصخر في البترا جنوبي الأردن أن “السياح عادوا” إلى “المدينة الوردية” الأثرية التي كانت جائحة كورونا قد حولتها إلى “مدينة أشباح” لأشهر، بحسب تقرير لوكالة الانباء الفرنسية.
وبعد الضربة القاسية التي وجهها الوباء إلى قطاع السياحة في العالم، عاد البدول الأب لسبعة أولاد، إلى عمله في الموقع الأثري حيث يلتقط السياح الصور مع الجملين أو يمتطونهما لبضعة أمتار.
والبترا التي شيدت في 312 قبل الميلاد والمشهورة بعمارتها المنحوتة في صخر وردي، وجهة مفضلة للسياح الأجانب في الأردن.
وقد أدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، واختيرت في 2007 في تصويت عبر الإنترنت شارك به نحو مئة مليون شخص واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة.
وكانت “المدينة الوردية” بنيت عاصمة لمملكة الأنباط العربية القديمة التي سقطت بيد الرومان عام 106 قبل الميلاد.
ويقول الشاب بزيه البدوي وكوفيته الحمراء إن “حركة السياحة عادت منذ ما يقارب سنة ونحن سعداء بذلك”. وأضاف أن “أعداد السياح أكبر”، موضحا أنه “خلال جائحة كورونا لم نكن نشاهد أحد في البترا” التي تبعد نحو 230 كلم جنوب عمان.
ويضيف أن الضربة التي وجهتها الجائحة للسياحة أضرت بشكل كبير بمعيشة سكان البترا الذين “يعمل تسعون في المئة منهم في السياحة”، على حد قوله.
وعبر البدول وهو يساعد إحدى السائحات على ركوب جمله أمام الخزنة المبنى المنحوت في الصخر وأشهر معالم الموقع، عن أمله في أن يصبح عدد السياح “في المستقبل أكبر من هذه الأعداد أيضا”.
– “تنفسنا الصعداء” –
تقول الفرنسية علياء (16 عاما) التي كانت تتفقد بعض الهدايا التذكارية مع والدتها “هذه زيارتي الأولى للأردن والبترا”. وأضافت أن “المنظر هنا والألوان لا يصدقان”، مؤكدة أنها ستزور مواقع سياحية أخرى في المملكة.
ويضم الأردن عشرات المواقع السياحية التي تستقطب السياح الأجانب أبرزها البترا ووادي رم وجرش والمغطس والبحر الميت.
ويستفيد من العمل السياحي في البتراء قرابة 1700 شخص من أدلاء سياحة وعاملين على سيارات كهربائية وجمال وخيول وحمير في نقل السياح داخل المدينة.
ويقول محمد السماحين (16 عاما) مبتسما وهو يجلس على بسط تراثية في “كهف القمر” على بعد أمتار من الخزنة إن “مصدر رزقنا هو السياحة” لذلك “تنفسنا الصعداء عند عودة السياح”.
وفي الكهف، يستقبل السماحين السياح ويبيعهم مشروبات ساخنة وباردة بينما يلتقطون الصور، أو يرافقهم في جولة في الموقع.
ويشير الفتى إلى أنه “في وقت كورونا لم نكن نجد عملا هنا وعندما عادت السياحة أصبحنا نساعد السياح في المطل (مرتفع في الموقع الأثري) ونصورهم”، مؤكدا أن “هذا مصدر دخلنا الوحيد”.
– “وقت طويل” –
تشير الأرقام الرسمية إلى أن قطاع السياحة في الأردن بدأ خلال 2022 التعافي من تداعيات الجائحة إذ تجاوز عدد زوار الأردن 4,6 مليون شخص، بينما تجاوزت عائدات السياحة الـ 5,3 مليار دولار.
وكان الدخل السياحي للأردن بلغ نحو 2,6 مليار دولار في 2021، مقابل 1,4 مليار دولار في 2020 ونحو 5,8 مليار دولار في 2019.
أما البترا، فقد زارها في 2022 أكثر من 900 ألف سائح وهو “رقم لم نكن نتوقعه” كما يؤكد رئيس مجلس مفوضي “سلطة إقليم البترا التنموي السياحي” سليمان الفرجات، وقريب من ذاك الذي سجل في 2019 وبلغ مليون سائح.
وتوقع الفرجات أن “يكون عام 2023 أقوى”، موضحا أنه “إذا ما استمر التعافي مثل ما نحن نراه الآن أتوقع أنه عام 2023 سيضاهي في الأعداد عام 2019”.
أكد الفرجات لوكالة فرانس برس أن “أزمة كورونا أثرت على السياحة الدولية بشكل عام، والأردن والبترا تأثرت بشكل قوي بحيث إنه هناك أيام لم يكن هناك أي سائح” في المدينة التي بلغ عدد زوارها نحو 235 ألفا في 2021.
وأضاف أن إجراءات حكومية مثل الحملات الترويجية وفتح أسواق جديدة وزيادة الغرف الفندقية، إلى جانب الطيران منخفض التكاليف، ساهمت في سرعة تعافي قطاع السياحة.
لكنه أوضح أن “هذا لا يعني تعافي قطاع السياحة بشكل كامل” لأن هذا القطاع “من فنادق ومطاعم تكبد خسائر كبيرة خلال عام ونصف العام من انقطاع السياحة وبالتالي يحتاج إلى وقت طويل لتعويض الخسائر”.
وأشار في الوقت نفسه إلى ارتفاع عدد الغرف الفندقية الذي يزيد القدرة “التنافسية لبترا كموقع سياحي هو الأهم في الأردن”، مشددا على أنه “إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو قد نصل خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة إلى عتبة مليوني سائح في البترا”.
وتضم البتراء أربعة آلاف غرفة فندقية بينما يجري إنشاء نحو 500 غرفة أخرى بعد إعطاء تصاريح لثلاثة فنادق من فئة خمسة نجوم، مقابل 2600 غرفة في 2019، حسب الفرجات.