بملابسات غامضة وغريبة، في مثل هذا اليوم قبل 30 عاما تحطمت في سماء العاصمة الليبية طرابلس طائرة ركاب تابعة للخطوط الليبية من طراز بوينغ 727 وقتل جميع ركابها الـ 157.
كانت هذه الطائرة في رحلة داخلية من مدينة بنغازي في شرق البلاد إلى العاصمة طرابلس، وكان على متنها 147 راكبا، 100 منهم ليبيون، إضافة على طاقم مكون من 10 أشخاص.
لم تكن هذه الكارثة الجوية عادية بكل المقاييس، فهي لم تسقط وتتحطم على الأرض بسبب خلل فني او بشري كما في أغلب الحالات المشابهة، بل انفجرت في الجو بمشاركة مقاتلات حربية، إلا أن القضية بقيت على مدى ثلاثة عقود غامضة وتحيط بها الشبهات.
الغرابة في هذه الكارثة الجوية ليس فقط الدور الغامض الذي لعبته مقاتلات تابعة لسلاح الجو الليبي، وبعضها ينتمي إلى “السرب الخاص”، بل وكذلك رقم هذه الرحلة! كانت هذه الرحلة الجوية المنكوبة تحمل الرقم 1103.
الغرابة في هذا الرقم أنه يتضمن رقم رحلة طائرة شركة الخطوط الجوية “بأن أميريكان 103″، التي سقطت فوق اسكتلندا، واتهمت ليبيا بالمسؤولية عن تفجيرها (قضية لوكربي).
هذا التشابه الغريب في المصير وفي رقم الرحلة، أذكى روايات المؤامرة. وراجت حينها في طرابلس، وكانت قضية لوكربي في أوجها، رواية تقول إن تفجير تلك الطائرة الليبية جرى عمدا لاتهام الغرب بها، والمقايضة واحدة بواحدة!
وقيل بهذا الشأن إن الطائرة المنكوبة زرعت بها متفجرات، إلا أنها اقتربت من مطار طرابلس ولم تنفجر، فطلب من مقاتلات ليبية إعاقتها، خوفا من هبوطها وانفجارها داخل المطار الدولي!
الرواية الشائعة عن تحطم طائرة الرحلة 1103
تقول هذه الرواية إن طائرة الخطوط الجوية الليبية عند اقترابها من مطار طرابلس الدولي وكانت على ارتفاع 3500 قدم، انفجرت في الجو وتناثر حطامها على مساحة واسعة فوق منطقة سيدي السايح بضواحي العاصمة الليبية.
وتزعم هذه الرواية أن طائرة الركاب الليبية، وكان عمرها حينها لا يتجاوز 18 عاما، اصطدمت بطائرة حربية من طراز “ميغ – 23″ ما أدى على تحطم الاثنتين، وفيما قتل جميع من كان على متن طائرة الركاب، نجا قائد الطائرة المقاتلة والملاح وهبطا بسلام.
في السنوات الأخيرة ظهرت شهادات زادت من غموض هذه الكارثة الجوية حتى أصبحت عملية الإحاطة بها وإدراك ملابساتها أمرا في غاية الصعوبة.
على سبيل المثال، تتداول شهادة لقائد طائرة مروحية كانت قد أقلعت صباح ذلك اليوم نفسه من أحد حقول النفط، وكان عند وصوله إلى أطراف مطار طرابلس الدولي على ارتفاع 7000 قدم، شهد الكارثة الجوية، وقال في وصف ما رأى: ” رأيت طائرة البوينغ تحلق لجهة اليمين على ارتفاع (4000 قدم) وفي طريق هبوطها لارتفاع (3000 قدم)، وطائرة عسكرية تلاحقها مصوبة ثلاثة صواريخ تجاهها … الأول انفجر في الأرض .. والثاني أخطأ وجهته في السماء … ثم أصاب الصاروخ الثالث جسم الطائرة.. اختل توازنها واشتعلت بها النيران ثم حدث انفجار رهيب! بعيد انفجار طائرة البوينغ .. رأيت طائرة عسكرية أخرى يختل توازنها وهوت إلى الأرض”.
وتقول شهادة ثانية لقائد طائرة حربية كان قد أقلع من مطار طرابلس الدولي الواقع جنوب المدينة متوجها إلى مطار قاعدة معيتيقة في شمال العاصمة، ويدعى عبد المجيد حماد الطياري: “أقلعتُ من مطار طرابلس الدولي بطائرة (ميغ 23 – يو) في اتجاه مطار قاعدة معيتيقة العسكري في رحلة استطلاعية روتينية.. وعند الوصول لارتفاع 2500 قدم كان بصحبتي مساعد الطيار أحمد بوسنينة في مقدمة المقصورة.. لم تمض لحظات حتى أُصيبت الطائرة بجزء متطاير من الخارج على شكل شظية معدنية!!! فاخترقت القطعة المعدنية مقصورة طائرتنا.. ما أدى إلى تعرضي لإصابة بليغة في الكتف الأيمن… فقدنا على إثرها القدرة على التحكم في الطائرة؛ فقررنا استخدام نظام القفز الاضطراري… تم وصولنا إلى الأرض، ونُقلنا إلى مستشفى صلاح الدين العسكري للعلاج”.
وكما يبدو، اختلطت أشلاء طائرة سيدي السايح الليبية بحطام طائرة لوكربي الأمريكية، وكبرت الألغاز واستعصت أحجية هذه الكارثة الجوية التي جرت في أجواء مطبقة من السرية والكتمان.
للأسف، الزمن في مثل تلك الظروف التي أحاطت بهذه الطائرة الليبية المنكوبة، لن يساعد في تبديد غموضها. بل على العكس، تختفي الأدلة المادية وغيرها وتتلاشى عاما بعد آخر، ولا تبقى إلا الألغاز وما ينسجه الخيال من روايات!