هلا نيوز – عمان
أسال موضوع المرأة وتمتُعها بحقوقها وكرامتها المداد الكثير في العالم الإسلامي وفي العالم الغربي على حد سواء، سابقا ولاحقا، ولا غرابة في ذلك، فالمرأة نصف المجتمع، ويجب أن تحظى بنفس الحقوق التي للنصف الآخر، وأن تُصان كرامتها وتحترم كما تُصان كرامة الرجل. ولقد عامل الإسلام المرأة على أنها شريكة الرجل في الإنسانية، خُلقَا من أصل واحد، قال تعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾. ضمن الإسلام للمرأة حقوقا كثيرة من بينها:
حق المرأة في الحياة:
ساد في العصر الجاهلي قبل الإسلام من الظلم والهمجية ما وصل بالعرب إلى التحريم على المرأة حقها في الحياة، فقتلوها بطريقة بشعة تدل على غياب الرحمة والإنسانية، وعلى مهانة المرأة وقدرها عندهم، وذلك بوأدِها وهي لا تزال طفلة، فكانت تُدفن حيّةً تحت التراب حتى الموت، وقد شنّع الإسلام هذه الجريمة حيث قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل البنات من أعظم الذنوب، وحرَّم ذلك، “فعن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أيُّ الذنوب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وقد خلقك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك”.
حق المرأة أمـّـاً:
للأم في الشريعة الإسلامية مكانة عليا لا تضاهيها أي مكانة، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إليها، وجعل ذلك مقرونا بأمر عظيم وهو التوحيد، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ لذلك فقدْرُها مصان، وكريمةٌ غاية التكريم، فهي إنسانة تُضحي وتربي، وتسهر على عيالها، وتحرم نفسها الخير كله وتهبُه لأبنائها، وعرفانا بكريم عطائها، فقد كرمتها السيرة النبوية كثيرا، والأحاديث في ذلك كثيرة، من ذلك مثلا: “عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك”.
حق المرأة في التربية والتعليم:
قرر الإسلام أنّ تربية المرأة وتعليمها من الأعمال العظيمة، ورتّب الشرع على ذلك جزاء وفيراً، فقد رغبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن تربية المرأة بنتا والسهر على تأديبها؛ ففي الحديث: “من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين (وضم أصابعه)” ولمّا كانت المرأة مخاطبة بالتكاليف الشرعية شأنها شأن الرجال، فهي مسئولة عن صلاتها وصيامها وقراءة القرآن وغيره من أمور دينها، فلمّا كان الأمر كذلك فإنّ قيامها بشرائع دينها يلزمه العلم المنافي للجهل، ومن هنا فقد حرص رسول الله على تعليم الفتاة، ودعا إلى نشر العلم بين النساء، وهذا من حقوقهن التي نص عليها الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدّى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عند أمَةٌ، فأدبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران”.
حق المرأة في العدل:
ومن حقوق البنات أيضا العدل، وهو ما أقره الإسلام حيث أنّ السنّة أمرت بالعدل في الأولاد ففي الحديث قال النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وهو على المنبر: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرَة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّي أعطيت ابني من عَمْرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ومعلوم أنّ لفظ الولد يطلق على الذكر والأنثى.
حقوق المرأة المالية:
أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة ذمة مالية مستقلة، شأنها شأن الرجل، فقد أقر لها حق التملك والبيع والشراء وغيره. ومن أبرز الحقوق المالية للمرأة هو حقها في الصداق، وقد فرضه الله على الزوج تكريما للمرأة ولإظهار صدق رغبة الرجل فيها، ولتكون عزيزة كريمة، فتكون هي المطلوبة لا طالبة، وكما للمرأة عند الزواج حق الصداق فإنّ لها بعد انعقاده حق النفقة، وتشمل النفقة سائر ما تقوم به حياتها من طعام وشراب وملبس ومسكن، وفي الحديث عن أُمِّ سَلمةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من أنفق على ابنتين، أو أختين، أو دواتي قرابة، يحتَسبُ النَّفقة عليهما، حتَّى يُغْنِيَهُمَا الله من فضله عز وجل، أَو يكفيهما، كَانتَا له ستْرًا من النَّار” ومن حقوق المرأة المالية كذلك حقها في الإرث، وقد أثبت الشرع قرآنا والسنة لها هذا الحق، قال الحق سبحانه: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾.
وللمرأة كذلك حقها في المعاملات المالية، فلها حق المِلك والتصرف، والهبة والتصدق بأموالها، ففي الحديث عن ابن عباس: “أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى، أو فطر، فصلى ركعتين، لم يصلى قبلها أو بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خُرصها، وتلقي سخابها”، ولها أيضا حقُ البيع والشراء والتصدق، فقد أتت رائطة امرأة عبدا لله بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: “يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها، وليس لي ولا لولدي ولا زوجي نفقة غيرها، وقد شغلوني عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق بشيء، فهل لي من أجر فيما أنفقت؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم”.
إنه لا يخفى ما قاسته المرأة في الجاهلية من نفور وإقصاء، ورفضٍ بلغ إلى حدِّ أنّ الرجل يستشعر العار إن كان المولود بنتا، قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾. أما في بعض دول الغرب فقد لاقت من المهانة والتنقيص والاحتقار لقيمتها ما لقيتْ، إذ يتم تشييئها بل وعرضها كسلعة في الطرقات، الأمر الذي لا يوجد في دين نبينا عليه الصلاة والسلام، فيشهد التاريخ أنّ المرأة لم تكن يوما في الإسلام عبارة عن لوحة إشهارية، بل هي مصانة الحقوق، وكرامتها فوق كل اعتبار.