هلا نيوز – الدكتور فيصل القاسم
ليس صحيحاً أبداً أن لعبة كرة القدم لعبة عالمية، أو أنها اللعبة الأولى في العالم، فهناك تضليل في مثل هذا التعميم.
هل تعلم مثلاً أن أكبر بلد من حيث عدد السكان، وهو الصين بدأ يشق طريقه إلى عالم الكرة فقط مؤخراً ولم يتأهل إلى كأس العالم إلا مرة واحدة، ناهيك عن أن ثاني أكبر بلد وهو الهند لا تحظى فيه كرة القدم بشعبية كبرى، إذا تحتل اللعبة مرتبة ثانية وربما ثالثة. ولا ننسى أمريكا التي لديها لعبة كرة قدم مختلفة تماماً عن اللعبة الدولية المشهورة. وبعد مقالين عن تاريخ وشعبية اللعبة في أمريكا والصين، سنتعرف اليوم على تدني مستوى شعبية كرة القدم في الهند التي يزيد عدد سكانها على مليار نسمة، ومع ذلك لم نسمع يوماً عن فريق أو لاعب كرة قدم هندي ذي شعبية عالمية. وكما أن لعبة البيسبول أكثر شعبية من كرة القدم في أمريكا بمرات ومرات، وكما أن دوري كرة السلة الأمريكي يحظى باهتمام أكثر مما تحظى به كرة القدم في الصين، فإن أهم لعبة تشتهر بها الهند هي لعبة “الكريكيت” التي تفوق شعبية كرة القدم أيضاً بمرات ومرات. وبالتالي عند التفكير في الهند من وجهة نظر رياضية، حسب موقع “فول سبور” الفرنسي، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن “الكريكيت” ولا لعبة غيرها، التي نجح الاستعمار البريطاني في نشرها في البلاد وباتت تحطم الأرقام القياسية من حيث نسب المشاهدة والمداخيل. ففي سنة 2015، مثلا، وصلت مداخيل حقوق البث إلى 2.5 مليار دولار وساهم الدوري الوطني للكريكيت بنسبة 182 مليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي الهندي.
في المقابل، تحتل كرة القدم الهندية التي استحدثها جنود بريطانيون في منتصف القرن التاسع عشر المرتبة الثالثة بين الرياضات الأكثر مشاهدة في البلاد بعد الكريكيت والكابادي. وبالمقارنة مع الاتحادات الوطنية الأخرى، فإن الاتحاد الهندي لكرة القدم فقير نسبياً، ولا يضم سوى ثلاثة أندية محترفة. ورغم هشاشة وضع كرة القدم في البلاد فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم يبدي اهتماما كبيرا بالهند، لا سيما بعد تنظيمها أول مسابقة عالمية لها السنة الماضية “كأس العالم دون سن الـ17 عاما”، والذي استضاف أفضل الفرق في العالم دون سن السابعة عشرة. ورغم فشل الفريق الهندي في الصعود على منصة التتويج، إلا أن عدد حضور الجمهور في الملاعب تخطت الـ1.2 مليون متفرج. وقد فتح تنظيم هذه المباريات الباب لتجديد البنى التحتية القديمة، بما في ذلك بناء 26 ملعباً جديداً وجذب رعاة جدد للدوري الهندي للمحترفين. ولا ننسى أن أندية الكريكيت العملاقة صاحبة الموازنات الضخمة في الهند تشفق أحياناً على لعبة كرة القدم وتحاول النهوض بها، ففي سنة 2009، قررت رابطة الكريكيت التبرع بـ250 مليون روبية (ما يعادل 3.1 مليون يورو) إلى الاتحاد الهندي لكرة القدم والاستثمار في مجال البنية التحتية. لكن حتى بوجود بعض النجاحات وتأييد الحكومة، يغيب الطموح السياسي الكفيل بتطوير هذه الرياضة. وفي حال حققت “المهمة 11” التي تعني جذب 11 مليون طفل إلى أندية الهواة، التي نظمت بمناسبة كأس العالم دون سن الـ17، نجاحاً كبيراً، فإن عدد المدارس المهنية لتطوير كرة القدم في البلاد ما زال يعُد على أصابع اليد.
وحسب بعض المواقع الرياضية المختصة فإن أحد أهم أسباب ضعف كرة القدم في الهند أن العائلات الهندية كنظيراتها الصينية لا تحفز أطفالها على الانضمام إلى الأندية الرياضية معتبرة أن التعليم هو الطريق الوحيد نحو ضمان حياة كريمة. وتفضل عائلات هذين البلدين إنفاق أموالها على الدروس الخصوصية بدلاً من الأنشطة الرياضية.
ومن اللافت جداً أن المنتخب الهندي تأهل لكأس العالم مرة واحدة في عام 1950، لكن يقال إنه انسحب من المشاركة لرفض الفيفا طلبه باللعب حفاة الأرجل وبدون أحذية كرة قدم، لكن هناك من ينفي هذه الكلام ويعزو انسحاب الهند إلى عدم قدرتها على دفع تكاليف الرحلة. ولكن حتى هذه التبرير غير صحيح، حيث عرض منظمو الدورة دفع معظم تكاليف السفر لإيصال المنتخب الهندي إلى البرازيل، وذلك لأن عدم مشاركة الهند كان يعني غياب منتخب ممثل لآسيا، وهذا ما حدث بالفعل. غير أن مصادر محايدة تؤكد أن عدم مشاركة الهند في تلك البطولة من بطولات كأس العالم لم تكن بسبب العوائق المالية ولا بسبب منع الفيفا للاعبين الهنود باللعب بدون أحذية رياضية، بل بسبب عدم اكتراث المسؤولين الهنود بكرة القدم ولا بأهمية المشاركة في كأس العالم أصلاً. ويرى خبراء الرياضة في الهند أنه لو شارك بلدهم في بطولة كأس العالم بالبرازيل عام ألف وتسعمئة وخمسين لكانت كرة القدم الهندية اليوم على مستوى آخر. لكن هناك من يتوقع لكرة القدم الهندية اليوم أن تنمو بشكل متسارع مع النمو الصاروخي للاقتصاد الهندي بعد مرحلة سبات عميق تجاوزت السبعين عاماً.