هلا نيوز
تحفر جذور العنصرية عميقا في شجرة الاجتماع السياسي لأوروبا، لكن تجليها السياسي الكبير ظهر خلال الحرب العالمية الثانية، مع تسلم حزب العمال القوميين الاشتراكيين (الذي يختصر عادة بالحروف الأولى له: نازي) الذي قاده أدولف هتلر، الحكم في ألمانيا، ونظيره الحزب الفاشي («الجماعة السياسية» باللاتينية) الذي قاده بنيتو موسوليني في إيطاليا.
تخفي نهاية الحرب التي انتهت بسقوط زعيمي النازية والفاشية الشهيرين، حقيقة أن هذا الاتجاه السياسي الصريح العنصرية، والذي يؤمن بتفوق «العرق الأبيض»، وبأن الشعوب الأخرى أقل قيمة، كان، وما زال، موجودا بقوة على امتداد الجغرافيا الأوروبية، ويشكل ركنا أساسيا من أركان المؤسسات السياسية الأوروبية (وكذلك في إحدى ظواهرها الكبرى في منطقة «الشرق الأوسط»: إسرائيل).
رغم تطور الخطاب الذي تستخدمه اتجاهات اليمين المتطرف، وتقبلها لبعض التغيرات التي حسمها المجتمع، فإن منطق هذه الاتجاهات اليمينية العنصرية الأساسي لا يزال يعمل على تبرير أشكال الاستبداد والتمييز ضد القوميات والأديان والأعراق والأقليات، وحتى الاتجاهات السياسية المختلفة، وهي موجودة، بشكل ظاهر أو خفي، في أطياف السياسة الغربية، ليس في اليمين فحسب، بل كذلك ضمن أطراف اليسار، وقد حقق هذا الاتجاه نجاحات ظاهرة في كل من إيطاليا والسويد، وقبلها في هنغاريا.
صار هذا الاتجاه من القوة، كما شاهدنا في فرنسا، في الانتخابات الأخيرة حيث حصل حزب «الجبهة الوطنية» المتطرف على 89 مقعدا في البرلمان، كما نشهد في كل يوم درجة انتشار حزب «البديل» في المانيا، وفي بولندا، التي يحكمها حزب «القانون والعدالة»، التي اشتبكت مع الاتحاد الأوروبي بعد إجراءاتها لإضعاف المؤسسات القضائية.
أثر هذا الصعود المتطرف على اتجاهات اليمين الوسطي، التي صارت تستخدم مصطلحات وتعبيرات وتكتيكات اليمين المتطرف، وتتجرأ أكثر فأكثر على إظهار مواقف أكثر عنصرية، وإصدار قرارات مثيرة للجدل، كما حصل في بريطانيا، مع خطة نقل اللاجئين إلى رواندا، ومع اعتبار وزيرة الداخلية سويلا برافرمان هروب اللاجئين من الموت في بلدانهم «اجتياحا» لبريطانيا.
بعد حادثة مخففة، قامت فيها رئيسة وزراء إيطاليا الجديدة، جورجيا ميلوني، بخفض قيمة نائب أسود، يدعى أبو بكر سوماهورو، بمخاطبته بطريقة غير رسمية، كما فعلت مع نظرائه البيض، جرت حادثة جديدة فاضحة وشديدة الدلالة في البرلمان الفرنسي، يوم الخميس الماضي حين وجه نائب من أصل افريقي سؤالا للحكومة عن سفينة مهاجرين عالقة في مياه البحر المتوسط فصرخ في وجهه نائب يميني متطرف بعبارة: «عُد إلى افريقيا».
تظهر متابعة اليمين المتطرف الفرنسي، اشتباك عناصره الأساسية مع إرث الاستعمار القديم، وخصوصا في مناطق شمال افريقيا، حيث عانى الجزائريون، خصوصا (والمغاربيون عموما)، من عقابيل هذا الإرث (بمن فيهم، الحراكيون، ممن قاتلوا مع الجيش الفرنسي)، حيث تعرضوا، وما زالوا، لعقود من الاضطهاد.
يشتبك هذا الإرث أيضا، وبطريقة غريبة، مع قضايا الكاثوليكية، دين الأكثرية في فرنسا، ودعاوى «العلمانية» التي غالبا ما يتم توجيهها، بطريقة مستفزة وغير ديمقراطية، ضد الأقليات، فتصبح دينا جديدا يحارب التنوع والانفتاح على الثقافات الأخرى.
من المثير للسخرية أن يطالب أحفاد المستعمرين، وحملة رايتهم، أشخاصا يمثلون جزءا من الشعب الفرنسي، كحال النائب ذي الأصل الأفريقي، المذكور آنفا، بالعودة إلى أفريقيا، وهم الذين ما زالوا، رغم زوال مرحلة الكولونيالية، يحكمون عدة مستعمرات حول العالم، وهم الذين استباحوا بقاعا شاسعة من الأرض، ونهبوا ثروات تلك البلدان، وما زالوا يتحكمون في مصائر العديد منها، ويرسلون جيوشهم إليها، وهو ما يؤدي إلى ردود فعل مفهومة، كما شهدنا من مواقف في عدة دول افريقية مؤخرا فضلت مرتزقة فاغنر الروسية على تلك الجيوش الفرنسية وتدخلاتها.