مقالات واراء – هلا نيوز
علي حمادة
لم يعد سرّاً أن المسار الدبلوماسي لحل معضلة الرد على إسرائيل بعد اغتيال كل من رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، والقائد العسكري لـ”حزب الله” فؤاد شكر في بيروت، قد انطلق في الأيام القليلة الماضية بقوة كبيرة. فالقضية أكثر تعقيداً من مجرد الرد على اغتيال من هنا، وإهانة من هناك. هذه المرة سيكون للرد إذا ما نفذت طهران وذراعها في لبنان “حزب الله” تهديداتهما بتوجيه ضربة قاسية ومؤلمة ومؤذية لإسرائيل، ثمن كبير. ومن يتابع الحملة الدعائية في كل من إيران ولبنان بعد الاغتيالين الكبيرين، يدرك حجم المشكلة المعنوية التي وقعت فيها طهران وذراعها في لبنان. فلا حرب غزة توقفت بفعل الضغط من الحدود الشمالية واليمن، ولا الإسرائيليون مستعجلون لإنهاء الحرب قريباً، نظراً لحساباتهم التي تتعدى إطار الرد على عملية “طوفان الأقصى” إلى ما هو وجودي بالنسبة إليهم، أكان في غزة أو في محيط القطاع. والشعار المطروح هو أن لا تعود غزة مصدر تهديد لإسرائيل. وموضوع لبنان لا يختلف كثيراً عن غزة، سوى أن إسرائيل تبحث عن تغيير للواقع بطرق دبلوماسية وبضمانات أمنية وسياسية دولية تجنبها حرباً لا تريدها بالضرورة، مع أنها تدرك أنه سوف يأتي يوم وتندلع حرب حاسمة بينها وبين “حزب الله”. فالحرب ستحصل لكن تل أبيب بحكومتها الحالية المتورطة في حرب غزة صاحبة الأولوية، تؤثر إنهاء التحدي الكبير في غزة أولاً، ثم الالتفات الى لبنان الذي لا بد أنه سيصبح أولوية وجودية في المدى المتوسط.
تدرك إيران أن ما هو أهم من الرد هو الرد على الرد. وبالتالي، تدرس خياراتها على ثلاثة مستويات: الأول، هو المرتبط بالميدان العسكري. والثاني المرتبط بالضغط الغربي الهائل الذي يرفع كثيراً من تكلفة الرد. والثالث المرتبط بالمعادلة الداخلية في إيران نفسها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والصراع الذي تجدد بين الجناحين المحافظ والإصلاحي في الداخل. فالأخير انتعش قليلاً بعد الانتخابات وفوز مسعود بزشكيان بمنصب الرئاسة، ثم تبوّؤ وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، لكنه قدم قبل ثلاثة أيام استقالته من دون أن يُعرف ما إذا كان خرج طوعاً أو أُخرج قسراً، بعدما ظهر في الحملة الانتخابية ثم بعد الانتخابات بمظهر الوصي على الرئاسة والتركيبة الجديدة. وتسربت عنه مواقف سابقة من القضية الفلسطينية أبدى فيها معارضة لتصدر القضية المشهد على حساب المشهد الإيراني الداخلي. وفي أقل من شهر صار الوزير ظريف في مكان ما واجهة الرئاسة متقدماً على رئيس باهت وقليل الخبرة في السياسة داخلياً وخارجياً. ومن المهم بمكان التوقف عند مسألة يبدو أنها باتت خلافية على هامش تشكيل الحكومة الجديدة، وتتعلق بقرار الرد على إسرائيل. فمن الواضح أن الرئيس الجديد لا يعارض الرد. وإذا ما اضطرته الظروف الخاصة بتركيبة السلطة في إيران فهو يؤيد رداً منضبطاً إلى أقصى الحدود، إما مثل الهجوم الذي حصل في 13 – 14 نيسان (أبريل) الماضي أو حتى أقل منه تجنباً لتدهور الوضع، مما سيقوي الجناح الآخر الذي يتصدره “الحرس الثوري”، ويقوّض فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية التي أراد المرشد علي خامنئي ان تأتي على النحو الذي انتهت إليه.
ولعل في الموقف الغربي الذي عبّر عنه بيان الخماسية الغربية المؤلفة من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا لجهة الدفاع عن إسرائيل، معطوفاً عليه الحشد العسكري الأميركي غير المسبوق في المنطقة، ما يشي بأن الرد الإيراني ممنوع أن يأتي بحجم التهديد والوعيد، وأن الثمن سيكون مرتفعاً للغاية. أكثر من ذلك هناك الاستعداد الإسرائيلي للرد على الرد بأقوى منه، كي لا يعتاد الإيرانيون على استهداف إسرائيل كيفما اتفق الأمر.
ومع ذلك يبقى الخطر كبيراً، من أن يرتكب أحد الطرفين، ولا سيما الإيراني أو ذراعه في لبنان خطأ يؤدي الى انزلاق الوضع نحو مواجهة خطرة للغاية، وخصوصاً أن الإسرائيليين قد يستغلون الخطأ لتسوية حساب قديم مع “حزب الله” في لبنان، تحت شعار تغيير الواقع عند الحدود الشمالية.
وفي هذا الإطار يدرك المستوى الأمني الإسرائيلي أن قدرات “حزب الله” لا يستهان بها. لكن التفكير يذهب إلى ما هو أبعد من المدى الفوري للتحدي. التفكير هو بشأن ما ستكون عليه حال الحدود الشمالية مع لبنان سنة 2030 أو 2035. هذا هو مصدر الخطر على لبنان أولاً، وعلى المشروع التوسعي الإيراني ثانياً.
* نقلا عن ” النهار “