مقالات واراء – هلا نيوز
صاحبت موجة الاحتجاجات اليمينية المناهضة للهجرة، أعمال شغب غير مسبوقة في عدة مدن بريطانية في الأسبوع الأول من شهر آب/أغسطس الجاري. وتمثلت أعمال العنف بهجمات، نفذتها جماعات اليمين المتطرف على مساجد المسلمين وفنادق وبنايات تؤوي طالبي اللجوء. شرارة أعمال الشغب انطلقت نتيجة جريمة قتل حدثت في 29 تموز/يوليو، إذ قُتلت ثلاث فتيات تتراوح أعمارهن بين ست وتسع سنوات، وإصابة ثمانية أطفال آخرين واثنين من البالغين بجروح مختلفة، أثناء هجوم نفذه مسلح بسكين، على حفل راقص للأطفال في بلدة ساوثبورت الساحلية في شمال إنكلترا.
ألقت الشرطة القبض على الشاب الذي هاجم الحفل في ساوثبورت، والذي يبلغ من العمر 17 عاما، لكن سرعان ما تم استغلال الحادث لإطلاق موجة كراهية عنصرية على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تم نشر معلومات كاذبة مفادها، أن المهاجم مهاجر إسلامي، الأمر الذي تسبب في إطلاق حركة احتجاجات عنيفة مناهضة للمسلمين في المدينة.
توسع نطاق الاحتجاجات اليمينية الغاضبة المدفوعة بالمعلومات المضللة، دفعت الشرطة البريطانية للإسراع بنشر المعلومات الدقيقة حول الجريمة ومرتكبها
في مساء اليوم التالي، حضر أكثر من ألف شخص وقفة احتجاجية حزنا على ضحايا جريمة ساوثبورت. وفي وقت لاحق، اندلعت أعمال عنف بالقرب من مسجد محلي. وقامت الحشود الغاضبة بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة والمفرقعات على المسجد. كما تمت مهاجمة سيارات الشرطة، حيث أضرمت النيران في شاحنة للشرطة، ما تسبب بإصابات 27 ضابطا تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج. توسع نطاق الاحتجاجات اليمينية الغاضبة المدفوعة بالمعلومات المضللة، دفعت الشرطة البريطانية للإسراع بنشر المعلومات الدقيقة حول الجريمة ومرتكبها، الذي اتضح إنه مولود في ويلز في المملكة المتحدة لأبوين مهاجرين من رواندا، وهو ليس مهاجرا وليس مسلما، كما أن الشرطة بينت أن الجريمة لا يمكن تصنيفها كعمل إرهابي. من تصريحات السكان المحليين في مدينة ساوثبورت يتضح أن هنالك أطرافا خارجية خططت لتحريك أعمال الشغب في أول أسابيع عمل حكومة العمال، ومن الكشف عن بعض أسماء المحرضين يتضح أن اليمين المتطرف وبعض بلطجيته، ممن لهم سوابق إجرامية، هم من حرك الجموع في مدينة ساوثبورت لمهاجمة المسلمين، ومراكز طالبي اللجوء في موجة عنصرية فجة. وقد وصف عدد من المشاركين في أعمال العنف أنفسهم، بأنهم وطنيون يرون أن مستويات قياسية من الهجرة غير الشرعية والقانونية تقوض المجتمع البريطاني، ويزعم بعض الناشطين اليمينيين المتطرفين عبر الإنترنت، أن الهجرة غذت العنف والجريمة، بما في ذلك الاعتداءات على النساء والفتيات، وأن المهاجرين تم إيواؤهم ومعاملتهم بشكل إيجابي من قبل السياسيين. كما يتهم بعض اليمينيين الشرطة البريطانية بسلوكيات منحازة، إذ تمت معاملة المتظاهرين «الوطنيين» بشكل أكثر عنفا وصرامة من الأشخاص الذين شاركوا في تظاهرات أخرى، على سبيل المثال، تم التعامل بلين مع المتظاهرين المشاركين في المسيرات المؤيدة لفلسطين، أو المشاركين في مظاهرات الناشطين السود في عام 2020. عدد من الباحثين حاولوا تسليط الضوء على الآليات التي تم فيها حشد التجمعات اليمينية، وكيفية توجيهها وشحنها بالكراهية، لتنفذ أعمال الحرق والنهب. إذ كانت هناك مناقشات تطالب بالخروج والتجمع على بعض منصات التواصل الاجتماعي، التي لا تطالها سياسات المراقبة مثل تطبيق تيلغرام، فقد انتشرت نداءات إقليمية مناهضة للهجرة، وتحض على الكراهية. وقالت الشرطة، إنها تعتقد أن أعمال العنف شارك فيها أنصار جماعة «رابطة الدفاع الإنكليزية» اليمينية، التي تم حلها الآن. ففي اليوم التالي لجريمة القتل في ساوثبورت، اندلعت أعمال الشغب في جميع أنحاء إنكلترا، من بليموث على الساحل الجنوبي إلى سندرلاند في الشمال الشرقي. كما اندلعت أعمال شغب في بلفاست بأيرلندا الشمالية. وهاجمت الحشود الغاضبة المساجد وأماكن الإقامة التي تؤوي طالبي اللجوء، وأضرمت النيران في السيارات والمباني، بما في ذلك المكتبات، وتم نهب العديد من المتاجر.
تحليل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) للنشاط، الذي تم على منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، وفي «الكروبات» العامة الأصغر، أظهر نمطا واضحا من المؤثرين الذين يوجهون رسائل للناس للتجمع للاحتجاجات. إذ قام العديد من المؤثرين في دوائر مختلفة بتضخيم الادعاءات الكاذبة حول هوية المهاجم في جريمة ساوثبورت، ووصلت إلى جمهور كبير، بما في ذلك الأشخاص العاديين الذين ليس لديهم أي صلة بالأفراد والجماعات اليمينية المتطرفة. لكن الشارع البريطاني وقف وقفة مشرفة بوجه التطرف اليميني، إذ تمت إدانة هذا الاضطراب على نطاق واسع، حيث خرجت تظاهرات عارمة في مختلف مدن بريطانيا رافضة السلوك اليميني، وداعية للوقوف بحزم بوجه الفاشيين الجدد في مجتمع المملكة المتحدة. ففي مدينة بريستول، قام المتظاهرون المناهضون للعنصرية بعمل سلمي حين شبكوا أذرعهم في سلسلة بشرية، أحاطت بمبنى يأوي طالب لجوء لمنع العنصريين اليمينيين الهائجين من اقتحام المبنى. كما اندلعت اضطرابات في برمنغهام عندما تجمعت مجموعة – تتألف بشكل رئيسي من الشباب الآسيويين – لمعارضة مسيرة يمينية متطرفة، ترددت شائعات عنها لكنها لم تتحقق، لكن تم تسجيل عدة اشتباكات بين مجموعات يمينية عنيفة مع متظاهرين مناهضين لها في عدد من المدن البريطانية.
موقف الشرطة البريطانية الحازم لعب دورا مهما في منع تصاعد موجة الشغب العنصرية، إذ تشير التقارير الرسمية للشرطة إلى إنه تم اعتقال أكثر من 400 شخص بحلول يوم الثلاثاء 6 أغسطس، ومن المتوقع أن يرتفع العدد أكثر من ذلك. واعتبارا من يوم الخميس 8 أغسطس، قدرت رئيسة اتحاد الشرطة تيفاني لينش أن أكثر من 100 ضابط شرطة أصيبوا في الاضطرابات، بعضهم يتلقى العلاج في المستشفيات. من جانبه أدان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ما سمّاه «بلطجة اليمين المتطرف»، ووعد بتوجيه اتهامات وإدانات للمتورطين بأعمال الشغب «أيا كان سببها أو دوافعها»، وقال إن أولئك الذين يشاركون في أعمال العنف، بما في ذلك أولئك الذين «يقومون بالتحريض عبر الإنترنت» سوف يندمون على ذلك. أما قصر باكنغهام، فقد ابدى ارتياحه لسوك الشارع البريطاني الرافض للعنصرية، وأشاد بتضحيات الشرطة البريطانية التي منعت تفجر الأزمة. وخلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء كير ستارمر ومسؤولي الشرطة، أرسل الملك تشارلز الثالث «خالص شكره للشرطة وخدمات الطوارئ على كل ما يفعلونه لاستعادة السلام في المناطق التي تأثرت بالفوضى والعنف العنصري».
وقالت حكومة حزب العمال في بيان رسمي إن «جيشا دائما» من الضباط المتخصصين سيتعامل مع هذه الفوضى، وستتبادل قوات الشرطة المعلومات الاستخباراتية عن الجماعات العنيفة، وقالت إنها ستوفر أكثر من 500 مكان جديد للسجون لضمان سجن المشاركين في أعمال العنف. واتهمت الحكومة شركات التواصل الاجتماعي بعدم بذل ما يكفي من الجهد لوقف انتشار المعلومات المضللة، في حين قال معهد الحوار الاستراتيجي، إن خوارزميات الشركات لعبت دورا مهما في تضخيم الرسائل الكاذبة، لذلك التقى وزير العلوم البريطاني بيتر كايل بممثلين من منصات تيك توك وفيسبوك، وغوغل، وإكس لفرض الرسالة التي مفادها أنهم مسؤولون عن المساعدة في وقف التحريض ونشر المعلومات الكاذبة.
كاتب عراقي