هلا نيوز-وكالات
قد تكتشف إسرائيل، أو ربما بدأت تكتشف، أن قرار اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، لن يخدم مصالحها ولن يُحقق أهدافها، وأن الرجل سيتحول سريعاً الى أحد الرموز الملهمة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأن نتيجة اغتياله ستكون كنتائج مسلسلات الاغتيال التي نفذتها وتنفذها إسرائيل طوال العقود الثلاثة الماضية.
حرب الاغتيالات التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ عقود كانت نتيجتها فلسطينياً المزيد من الإصرار على مقارعة الاحتلال ومقاومته، وعدم تمرير أجندته أو تركه يحقق أهدافه، والأمثلة على ذلك كثيرة حيث إن قائمة الاغتيالات التي سبقت هنية طويلة، فقد اغتالت إسرائيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات، بدس السُم في طعامه خلال حصاره الطويل في رام الله، وقبله بشهور كانت قد اغتالت أغلب قادة الصف الأول في حركة حماس، ومن بينهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين وخليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وظنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف أرييل شارون بأنه نجح في اجتثاث حركة حماس في ذلك الحين، لكن ما حصل هو أن الرجل (أي شارون) دخل في غيبوبة في المستشفى منذ عام 2006 حتى وفاته في العام 2014، وبينما كان شارون في غيبوبته كانت حركة حماس تُهيمن على قطاع غزة وتصنع ترسانة صواريخها، وتجعل من القطاع مركزاً لانطلاق العمليات التي تثأر لمن تم اغتيالهم.
حماس حركة مؤسسية وغياب الأفراد لا يؤثر في مسيرتها، إذ إن القرارات فيها يتم اتخاذها عبر المؤسسات والمجالس وبطريقة التصويت والشورى
قبل موجة الاغتيالات التي استهدفت حماس (2002 إلى 2004) كانت إسرائيل قد اغتالت الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى بقصف صاروخي استهدف مكتبه في رام الله، وكانت قوات الاحتلال تعتقد بأن هذه الحركة اليسارية ستنتهي باغتيال زعيمها، خاصة أنها تعاني أصلاً من تبعات انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع المعسكري اليساري في العالم، لكنَّ ما حدث أن الجبهة الشعبية سرعان ما شكلت فصيلاً مسلحاً باسم «كتائب أبو علي مصطفى»، وهذه الكتائب سرعان ما نفذت عملية انتقام نادرة، وخلال وقت قياسي عندما تمكنت من اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، بعد أقل من شهرين على اغتيال أبو علي مصطفى.. وما زالت هذه الكتائب التابعة للجبهة الشعبية تحارب إسرائيل حتى اليوم.
باغتيال إسماعيل هنية توحَّد المسلمون السنة والشيعة، كما لم يكونوا من قبل، فقد أقيمت للرجل جنازتين، الأولى شارك فيها مئات الآلاف من الشيعة في طهران، أما الثانية فشارك فيها عشرات الآلاف من السُنة في أكبر مساجد الدوحة، وبين هذه وتلك أقيمت آلاف الصلوات على روحه في مساجد العالم الإسلامي، وهي حالة تضامن وتفاعل غير مسبوقة، خاصة أن عملية الاغتيال بهذه الطريقة وهذا المكان لم تكن متوقعة ولا هي مسبوقة. كما أنَّ مكان اغتيال هنية، وهو العاصمة الإيرانية طهران، فَرَض مجدداً نظرية «وحدة الساحات»، بل إنه أثبت أن إسرائيل ذاتها تتعامل مع خصومها على قاعدة «وحدة الساحات»؛ فهي لا تنظر إلى قطاع غزة بمعزل عن إيران أو لبنان أو العراق أو اليمن، كما إنها تتعامل مع حماس وحزب الله وحركة أنصار الله، على أنهم جهة واحدة وطرف موحد لا يتجزأ، ولذلك لم تتردد باغتيال هنية في قلب طهران، ولم تكترث بأنها تنتهك سيادة دولة إقليمية كبرى. الحاصل هو أنَّ إسرائيل لا تُميز بين خصومها، من كان منهم سنياً أو شيعياً، وإنما تتعامل معهم على أنهم سواء، وهم تبعاً لذلك لا مفر من أن يتعاملوا على هذا الأساس ووفقاً لهذه القاعدة.
وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني فقد أعاد اغتيال هنية توحيد الصفوف وجمع الكلمة، حيث سرعان ما أصدرت السلطة الفلسطينية وحركة فتح بيانات التنديد باغتياله، واعتبروا ذلك جريمة إسرائيلية بحق الشعب بأكمله، كما شارك وفد من حركة فتح في مراسم التشييع والعزاء في العاصمة القطرية، ما يعني أن هذه الجريمة نجحت في تذويب الانقسام الداخلي وبعثت برسالة مهمة للاحتلال.
أما على مستوى حركة حماس ذاتها فلا شك أنها لو كانت ستنكسر باغتيال قادتها لحدث ذلك في عام 2004 عندما تعرض الصف القيادي الأول فيها لأوسع سلسلة اغتيالات، لكنَّ هذا لم يحدث سابقاً وليس متوقعاً أن يحدث الآن، والسبب ببساطة أن حماس حركة مؤسسية وغياب الأفراد لا يؤثر في مسيرتها، إذ إن القرارات فيها يتم اتخاذها عبر المؤسسات والمجالس وبطريقة التصويت والشورى.
كاتب فلسطيني