انطلقت فعاليات المؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية الأردني، اليوم الأربعاء، تحت عنوان: “الأجناس الأدبية في النثر العربي القديم”، بالتعاون مع مبادرة “ض” إحدى مبادرات مؤسسة ولي العهد.
وحضر الافتتاح الأمين العام للمجمع الأستاذ الدكتور محمد السعودي، ونائب رئيس المجمع الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت، والأساتذة الأعضاء، وجمهور من المفكرين والمهتمين، ومشاركة واسعة من اللغويين والباحثين وأساتذة الجامعات محلياً وعربياً وعالمياً.
وتضمنت الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور عيد الدحيات في محور التراجم والسير وأدب الرحلات عرضاً لأربعة أبحاث: الأول “حوار الأجناس الأدبية في الأدب العربي القديم – المغرب الإسلامي في العصر الصنهاجي أنموذجاً” للدكتور العيد بودة من الجزائر، والثاني “ابن المقفع في الدراسات الأوروبية” لعضو شرف المجمع الدكتور عقيل مرعي من إيطاليا، والثالث “المظاهر الثقافيّة في السِّيَر الذاتيّة – كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ (ت ٥٤٨هـ) أنموذجاً” من جامعة الزيتونة الأردنيّة، والرابع “الرحلة في النثر العربي القديم، جنساً أدبياً، للدكتور شفيق الرقب من جامعة مؤتة الأردنية.
ولخص الدكتور بوده بحثه بأن تداخل الأجناس ظاهرة ثقافية قديمة على مستويي الإبداع الأدبي والنقدي، لا سيما في زمن القدماء، كما حاول استجلاء دلالات تداخل الأنواع الأدبية في الأدب القديم، من خلال مدونات وازنة؛ شَكَّلت مُكَوِّناً ثقافياً راسخاً في عمق الموروث الأدبي المغاربي؛ ويتعلق الأمر بمؤلفات الحصري القيرواني المصنفة ضمن أمهات المدونة الأدبية، والنقدية العربية في الإقليم المغربي. لا سيما وأنها تعكس مدى التواصل الثقافي الوثيق بين المشرق والمغرب منذ القدم.
وعرض الدكتور مرعي الخطوط العريضة لبحثه عن ابن المقفع في الدراسات الأوروبية وأهميته في تلك الدراسات، واهتمام المستشرقين والمستعربين به في النصف الأول من القرن العشرين، بسبب الموقع الإشكالي لابن المقفع وقد حظي بدراسات لأهم المستشرقين على الإطلاق على رأسهم ميكيلانجيلو الذي حقق رسالة القاسم بن إبراهيم وهذا التحقيق كان لأجل ابن المقفع، وكذلك فرانشسكو غابريلي الذي كتب مقالاً مهماً في مجلة الدراسات الشرقية استوفى فيه كل الجوانب المتعلقة بابن المقفع.
وسعى الدكتور القريوتي في بحثه إلى الكشف عن تعالق الأدب والثقافة، عبر ثنائيّة التجلّي والاستتار، متخذاً من نصوص فنّ السيرة الذاتية مفتاحاً للولوج إلى ثقافة القرن السادس الهجريّ، بصفتها نصوصاً تنتقل بالمتلقّي من الخاصّ إلى العامّ تارة، ومن العامّ إلى الخاصّ تارة أخرى، ولأنّها أكثر النصوص النثريّة قدرة على التعبير عن روح العصر الذي كُتبت فيه، ومظاهر ثقافته: العلميّة، والتربويّة، والوافدة (ثقافة الآخر)، والتأليفيّة، وتتمثّل أهمّيّة هذا البحث في مدارسة كتاب “الاعتبار”، بصفته أنموذجاً أصيلاً لفنّ السيرة الذاتيّة في النثر العربيّ القديم.
واستهدف الدكتور الرقب في بحثه دراسة القيم الأدبيّة المهيمنة التي تجعل من النصّ الرحليّ الواقعيّ في النّثر العربيّ القديم جنسًا أدبيًّا، وهذا يستدعي البحث في عدد كبير من النّصوص الرحليّة القديمة، بيد أنّ طبيعة هذا البحث تضيق عن ذلك، لذا فقد اكتفى الرقب بالوقوف عند نموذجين مكتملين دالَّين من هذه الرّحلات، هما رحلة ابن جبير ورحلة ابن بطوطة، مع الإشارة إلى رحلات أخرى إذا اقتضت الضّرورة، وقد انطلق البحث من مقولة الشكلانيّين الرّوس عن علم الأدب، وتعريفهم لـ(لأدبيّة).
واشتملت الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور محمد حوّر في محور الرسائل الإخوانية والديوانية مناقشة لثلاثة أبحاث: الأول قدمه الدكتور فاضل التميمي من جامعة ديالي العراقية بعنوان “الرسائل في كتاب إحكام صنعة الكلام للكلاعي، والثاني “رسائل الحجاج بن يوسف الثقفي ومكاتباته – دراسة موضوعية فنية” للدكتورة رائدة أخو زهية من الجامعة الهاشمية الأردنية، والثالث “الخصائص الفنية للرسائل الديوانية – رسائل العميدي أنموذجاً” للدكتورة صباح الردادي من جامعة طيبة السعودية.
ووقف الدكتور التميمي عند مصطلح (الرسائل) وقضاياها الفنيّة في كتاب (إحكام صنعة الكلام) لأبي القاسم محمد بن عبدالغفور الكلاعيّ الإشبيليّ الأندلسيّ، وقد قسّمها وفق أنواع عديدة، وتحدّث عن بناء نصّ الرسالة والمنثور وأشكال الرسائل عند الكلاعيّ، وعن قوانين الكتابة وآدابها تحدّث (الكلاعي) عن فضاء الكتابة بوصفها ممارسة تحيل على تمثيل شؤون الحياة المختلفة ليقف عند قوانينها وآدابها، مطلقاً عليها لفظ (صناعة)؛ أي (ثقافة)، أو (مهارة) لها ما يسوغ العناية بها.
وقدمت الدكتورة أخو زهية مسوغاً لاختيارها موضوع البحث؛ فقد عني الباحثون بخطب الحجاج ودرسوها أما رسائله التي لا تقل أهمية عن خطبه فإنها لم تحظ بمثل تلك العناية، وتناولت ثلاثة محاور رئيسية، الأول: علاقة الحجاج بالمرسل إليهم، والثاني: موضوعات تلك الرسائل، والثالث: المحور الفني في الرسائل.
وتحدثت الدكتورة الردادي في بحثها عن الرسائل الديوانية التي تعد من أشهر الفنون الأثرية في الأدب العربي القديم، وبينت أن العميدي يعد واحداً من كتاب ديوان الإنشاء في مصر، وخلف وراءه مكتبة أدبية ونقدية متنوعة ومنها مجموع رسائله الذي حققه الدكتور إحسان ذنون الثامري، وتناولت الجانب الفني من حيث اللغة والأسلوب والصنعة البديعية والتصوير البياني والتناص الديني والأدبي وغيرها.
يُذكر أن وقائع المؤتمر ستستمر غداً الخميس وتضم مناقشات لأبحاث شتّى في اللغة العربية، يليها عرض لتوصيات المؤتمر.