منوعات – هلا نيوز
حذّر مدير شين بيت السابق عامي أيالون من حملة إسرائيلية في مدينة رفح، وقال إنها ستكون كارثة إنسانية، و”لا أعرف كم فلسطينياً سيموت، ولكنني أعرف أن الكثير من [الجنود] الإسرائيليين سيموتون. وعلينا الافتراض أن مصر ستردّ، حيث سيتسلّق مئات الآلاف من الفلسطينيين السياج [الحدودي] وعلى مصر أن تعيد تقييم العملية السلمية مع إسرائيل، وسيقول السيسي إن إسرائيل لن [تحافظ على معاهدة السلام] حتى توقف الحرب”.
وقدم، في المقابلة التي أجراها معه برونو ماسياس لصالح مجلة ” نيو ستيتمان” التقدمية البريطانية، رؤيته بشأن خسارة إسرائيل الحرب الحالية في غزة.
عندما زاره الصحافي أشار أيالون كيف أن جزءاً من بيته تشكّل من بيت حجري كانت تملكه مرة عائلة فلسطينية
وأجرى ماسياس المقابلة في منزل أيالون بكرم ماهارل، الواقع على الطرف الجنوبي لجبل الكرمل، والذي أقيم على أطلال قرية فلسطينية هجر سكانها في عام 1948. وعندما زاره الصحافي أشار أيالون كيف أن جزءاً من بيته تشكّل من بيت حجري كانت تملكه مرة عائلة فلسطينية. وتم توسيع البيت لاحقاً، من أيالون نفسه، حيث يكشف عن التطور السياسي لاحقاً له.
وترأس أيالون شين بيت (تعرف أيضاً بالشاباك) ما بين 1996- 2006، وقبلها كان قائداً للبحرية. وبعد تركه شين بيت حاول الدخول في السياسة، واقترب من الوصول إلى المنصب الأهم لولا خسارته في الانتخابات عام 2007 أمام مرشح العمل إيهود باراك، ولكنه عمل وزيراً في حكومته عام 2008.
ويعتبر كتابه “نيران صديقة” (2020) مهماً لمن يريد معرفة عمل المخابرات الإسرائيلية والسياسة الإسرائيلية بشكل عام. ويقدّم الكاتب صورة عن تطوره الشخصي، فقد أدى عمله في المخابرات إلى تغيّر في موقفه من الفلسطينيين وقيادتهم والنظر إليهم كلاعبين تاريخيين قائمين بحد ذاتهم.
وكما كتب في مفتتح الكتاب: “رؤية الفلسطينيين كشعب غيّرتني، ولم أعد أنظر إليهم كأهداف مجردة، بل كشعب له أحلام محبطة بسبب تصميم الإسرائيليين على تحقيق أحلامنا”.
وكان أيالون لا يزال تحت أثر مقابلة أجراها مع شبكة أسترالية قال فيها إنه لو ولد كفلسطيني فإنه سيقاتل الاحتلال الإسرائيلي.
وخسر عدداً من أصدقائه. وقال إن تصريحه كان تعبيراً عن الطريقة التي يفكّر فيها الفلسطينيون “حتى لو نظرت إليهم كعدو، فعليك فهمهم كما يفهمون أنفسهم”، وغير ذلك سيكون جنوناً.
ويعتقد أيالون أن قطاعات من الإسرائيليين تعيش تحت تأثير نوع من الجنون، وهو ما حاول تشخيصه في كتابه.
وقال إن أهم حدث أثّر فيه كان عام 1998، عندما توقفت دوريته عند حاجز في غزة، والتقت عيناه بعيني طفل لم يتجاوز الـ 15، وكان ينظر إليه بحقد، وعندها شعر بأنه شيء يستحق الحقد، وكان صدمة له. وحدث الموقف بداية الانتفاضة الأولى، حيث كان أيالون يعتقد أن الفلسطينيين لا يتطلعون للاستقلال والحرية السياسية، وكان هذا وهماً وليس واقعاً.
وفي المقابلة، قال أيالون، الذي توقع الانتفاضة الثانية، إن الحملة على غزة لن تؤثر فقط على العلاقة مع مصر، بل والأردن، بمعظم سكانه الفلسطينيين، فـ”المملكة تهتز بالفعل، وعلى [الملك عبد الله الثاني] أيضاً إعادة تقييم السلام مع إسرائيل، ولن يستطيع السيطرة على شعبه إلا إذا تحرك.
وستزيل الدول العربية مبادرات السلام عن الطاولة. وهل تعرف اليوم أن معظم المواطنين السعوديين يدعمون إيران، على الأقل عندما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وسيزيد الحوثيون وحزب الله من تحركاتهم”.
أيالون: رؤية الفلسطينيين كشعب غيّرتني، ولم أعد أنظر إليهم كأهداف مجردة، بل كشعب له أحلام محبطة..
وقال أيالون إن الحرب الشاملة مع “حزب الله” لن تكون بقرار، أو نتيجة اجتياح رفح، بل ستكون نتيجة حادث، وفقدان السيطرة على الوضع. وفي ظل الوضع الملتهب، هناك حدود واضحة للسيطرة.
وأشار إلى ما يمكن أن ترد فيه مصر لو تم تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، قائلاً إن مصر لديها قدرات عسكرية، وتملك قوة بحرية عظيمة، و”هذه ليست مصر يوم كيبور [1973] فالعالم سيوقفنا على ما أعتقد، وكل ما تحدثنا عنه هو عن ردّ الدول”، و”عليّ أن أذكرك بأننا شاهدنا مواقع الجهاد العالمي، وبعد عدة أيام من 7 شرين الأول/أكتوبر بأنها تحاول الاستفادة من الفوضى التي ظهرت هنا.
ولو سألتني عن مصر، فهم في سيناء لا يتحكّمون بكل العناصر فيها. وفي سيناء قد يفقدون السيطرة. ونحن ندخل واقعاً لن نقاتل فيه ضد “حماس” فقط. وربما خسرت إسرائيل أمنها وبعد ذلك هويتها”.
وعن إستراتيجية إسرائيل في غزة، قال إن هناك فرقاً في الطريقة التي يتعامل فيها القادة العسكريون مع العدو، فهو مجرد هدف، هدف مادي، ولا يسألون لماذا. أما الساسة فيرون العدو كشخص يمكن التفاوض معه في مرحلة ما. و”لو كان هذا هو التعريف، فليس لدينا ساسة في إسرائيل، فقط قادة عسكريون، وهذه مأساة. وبالمناسبة، هذا هو نفس الوضع عند الفلسطينيين”.
ولم يقل أيالون إنه كان سيقود الحرب في غزة بشكل مختلف، وإن كانت الإستراتيجية بدون بعد سياسي. و”لكن غياب الهدف السياسي يشكّل العمل العسكري، أولاً، الإطار الزمني. فقد سأل جنرالاتنا القيادة السياسية: كم لدينا من الوقت؟ وكان الجواب “كل الوقت الذين تريدون” وهذا غباء لا يصدق. ففي كل الحروب التي خضناها كانت الساعة تدق، وهي تدق الآن. فلو أوقفت أمريكا الدعم فيجب علينا وقف الحرب. وألوم القيادة السياسية، وأعرف لماذا لم تفعل هذا، من أجل إنقاذ التحالف [الحكومي]، فكلما طال أمد الحرب ظلوا في الحكم. ولدى الجيش والمخابرات قوة كبيرة في إسرائيل، لكنها لا تستخدمها. وفي هذه الحالة، فهذا خطأ كبير، وأعتقد أنهم يجب أن يضغطوا، وعلى رئيس هيئة الأركان القول للساسة: انظروا، أنتم لا تستطيعون إرسال الناس إلى الحرب بدون تعريف واضح لنهاية اللعبة”.
أيالون: المملكة تهتز بالفعل، وعلى [الملك عبد الله الثاني] أيضاً إعادة تقييم السلام مع إسرائيل، ولن يستطيع السيطرة على شعبه إلا إذا تحرك
لكن ما هي النهاية؟ حل الدولتين الذي يرى أنه يتحقق من خلال تحالف إقليمي يلعب فيه الفلسطينيون دوراً مهماً لأنهم سيقودونها في عام أو عامين. وهم ليسوا قادرين في الوقت الحالي على القيام به. ويجب أن يشكل المصريون والأردنيون والسعوديون والإماراتيون التحالف. وهذه هي الدول العربية السنية، وإلا نظر إليه كحملة. ويجب أن يكون الفلسطينيون جزءاً منه، وليس قيادته، وإلا نظر إليهم كعملاء. ويجب ألا تلعب إسرائيل دوراً في تشكيله. وهو نفس التحالف الذي سيشرف على إعادة إعمار غزة ويحصل على ثقة الفلسطينيين. وسيكون التحالف مسؤولاً عن خلق نظام سياسي جديد في غزة، بشرط أن يكون الهدف هو حل الدولتين كما يقول. وكان يجب الإعلان قبل الحرب، ولكن يجب أن نوقف الحرب حالاً، كما يقول أيالون. وعلى إسرائيل أن تفرج عن أكبر قدر من السجناء الفلسطينيين، لكي تحصل على كل الأسرى لدى “حماس”، ومعظمهم ميت، و”هذه صورة النصر لإسرائيل، ويجب أن يكون النصر بناء على قيمنا، فقد تخلّينا عن مواطنينا الأسرى. وقمنا بخيانتهم، ولأول مرة منذ نشوء إسرائيل، وعلينا مواصلة القتال لهزيمة “حماس”، ولكن باستخدام السياسة وفن القيادة”.
وقال إن “حماس” حققت بعض الشيء، فقد عاد الموضوع الفلسطيني إلى الطاولة، لكن كابوسهم هو حلّ الدولتين.
وبالعودة إلى الواقع السياسي، فستهزم “حماس” في النهاية، وستتقلص قوة إيران. و”لو كانت دولة واحدة، فيجب أن يفهم أنها لن تكون ديمقراطية ولا دولة يهودية، فنحن لسنا الغالبية بعد الآن، ولن نعود إلى 1948، بل إلى الثلاثينات من القرن الماضي”.
وحذر من حرب إثنية، كالتي رأيناها في لبنان سابقاً، والجارية في سوريا منذ 2011 و” ستكون حرباً إثنية مستمرة وللأبد”.
وقال أيالون إنه معجب بالفلسطينيين كشعب، وحقيقة عدم الاعتراف بهم في الأمم المتحدة نابعة من استخدام أمريكا الفيتو. و”أنظر إليهم كشعب، لكنك لو سألت الإسرائيليين فهم متشوشون بسبب الخوف. وسوء الفهم هذا قادنا إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر. وبدلاً من حل المشكلة قمنا بإدارتها. ومن أجل فعل هذا خلقنا فكرة أنهم ليسوا شعباً، ولا يستحقون دولة خاصة بهم. وأول حكومة أعلنت عن سياسة أن الفلسطينين ليسوا شعباً هي حكومة لبيد وغانتس وبينيت، وهذا أعمق من نتنياهو”.
وسئل عن دور الاحتلال، وكونه سبباً في كل ما يجري، فقال:
“بالنسبة لنا كانت عملية صحوة مؤلمة جداً جداً، كان لدينا حلم بإسرائيل، ولكننا نفهم أننا نزلنا للواقع. وكنا نعتقد أن هناك سكاناً كانوا هنا لكن ليس شعباً.
أيالون: “حماس” حققت بعض الشيء، فقد عاد الموضوع الفلسطيني إلى الطاولة، لكن كابوسهم هو حلّ الدولتين
وحتى 1967 لم يكن لدينا حدود. وبعد حرب 1967 افترضنا أن حدود وقف إطلاق النارهي الحدود. ولن أختلف معك [بدور الاحتلال] ولكن المصطلح مختلف، فهذا ليس استعماراً، ولكنه أكثر تعقيداً”. وكان “عمى، واليوم نفهم المعاناة التي تسبّبنا بها. ونفهم اليوم أن الاستقرار ليس فقط مصلحة إقليمية، بل ومصلحة دولية. وأخيرا، فأنت ترى الفلسطينيين كشعب، وفي نقطة معينة ترى أنهم يتخلّون عن الحلم، فنحن تخلينا عن حلم إسرائيل الكبرى، وهم تخلوا عن فلسطين الكبرى. وإلا استمروا في الحلم واستمررنا في الحلم، وعندما يخرج المخلص فسيحكم في الأمر. وحتى ذلك الوقت يجب أن نتميز بالبراغماتية. ومحدودية قوتنا العسكرية لبناء دولة إلى جانب دولة فلسطينية، وأنه يجب علينا التفاوض [على الحدود]، ولكنها يجب أن تكون حدود 1967”.
وعن دور إسرائيل في إضعاف القيادة الفلسطينية، قال أيالون: “بالطبع، ألوم حكومتي للتحوّل عن حل المشكلة. عاد إيهود باراك من كامب ديفيد ليقول: “لا أحد للحديث معه، ولا شيء يمكن الحديث عنه”، قلت له: “وظيفتك ليست إخبارنا أنه لا يوجد شريك بل خلق شريك، فنحن لاعبون في هذا”.
وعندما تفاخر باراك بأنه بنى مستوطنات أكثر من نتنياهو خلال حكمه كرئيس للوزراء، لم يفهم الأثر على الفلسطينيين، فقد كانوا ينتظرون استقلالاً فرأوا المزيد من المستوطنات”.
وفي النهاية، قال إن نتيجة الحرب الحالية ستكون بمثابة خسارة لإسرائيل لو كانت نتيجتها دولة واحدة: “لأنني سأخسر هويتي كديمقراطية يهودية، ومهما كان عدد المعارك التي سنربح، فبدون حل الدولتين سنخسر الحرب”.